يطلب كلّ واحد منهما من المكلّف امتثالاً يخصّ به ، ومن جملتها ما رواه زرارة قال : سألته عن مُحرمٍ غشى امرأته وهي محرمة قال : « جاهلين أو عالمين؟ » قلت : أجبني في ( عن ) الوجهين جميعاً ، قال عليهالسلام : « إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما ومضيا على حجّهما وليس عليهما شيء ، وإن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه وعليهما بدنة وعليهما الحجّ من قابل ، فإن بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتّى يقضيا نسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا » قلت : فأي الحجّتين لهما قال : « الاولى التي أحدثا فيها ما أحدثا ، والاخرى عليهما عقوبة ». (١)
حيث إنّ هذه الرّواية تدلّ على وجود أمرين في المسألة يكون لكلّ واحد منهما امتثال على حدّه ، أمر واقعي أوّلي وأمر واقعي ثانوي ، فلا تكون من باب الامتثال بعد الامتثال بالنسبة إلى أمر واحد حتّى يستفاد منها عدم إجزاء الإتيان بالمأمور به عن الأمر الأوّل.
بقي هنا شيء :
وهو جواز الامتثال بعد الامتثال في الجملة.
ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى جوازه وتبعه المحقّق النائيني رحمهالله (٢) وذهب المحقّق العراقي إلى عدم جوازه وتبعه بعض أعاظم العصر (٣).
قال المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية : « لا يبعد أن يقال بأنّه يكون للعبد تبديل الامتثال والتعبّد به ثانياً بدلاً عن التعبّد به أوّلاً لا منضمّاً إليه كما أشرنا إليه في المسألة السابقة وذلك فيما علم أنّ مجرّد امتثاله لا يكون علّة تامّة لحصول الغرض وإن كان وافياً به لو اكتفى به كما إذا أتى بماء أمر به مولاه ليشربه فلم يشربه بعدُ ، فإنّ الأمر بحقيقته وملاكه لم يسقط بعدُ ، ولذا لو اهرق الماء وإطّلع عليه العبد وجب عليه إتيانه ثانياً كما إذا لم يأت به أوّلاً ، ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي إليه وإلاّ لما أوجب حدوثه ، فحينئذ يكون له الإتيان بماء آخر موافق للأمر كما كان له قبل إتيانه الأوّل بدلاً عنه ، نعم فيما كان الإتيان علّة تامّة لحصول
__________________
(١) وسائل الشيعة : ج ٩ ، الباب ٣ من أبواب كفّارات الاستمتاع ، ح ٩.
(٢) راجع فوائد الاصول : ج ١ ، ص ٢٤٢.
(٣) راجع المحاضرات : ج ٢ ، ص ٢٢٥.