صورة الشكّ بالواقع أو الجهل به وقال « إذا شككت في المأمور به الواقعي أو جهلت به فاعمل كذا وكذا وإنّ هذا هو وظيفتك » استفاد العرف منه أنّ ذلك هو تكليفه الفعلي وأنّ المولى لا يطلب منه شيئاً غيره ، وإنّ الإتيان به يوجب استيفاء غرض المولى.
وبعبارة اخرى للمحقّق المزبور : لا إشكال في أنّ المتبادر من قوله عليهالسلام « كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر » مثلاً أنّ المكلّف بعد إتيانه الصّلاة في الثوب المشكوك فيه قد أدّى وظيفته الصلاتيّة وامتثل قوله تعالى : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) لا أنّه عمل عملاً يمكن أن يكون صلاة وأن يكون لغواً ، وتكون الصّلاة باقية في ذمّته (١).
أضف إلى ذلك أنّ عدم الإجزاء في الاصول والأمارات يستلزم فساد أكثر أعمال المكلّفين وعدم حصولهم على مصالح الأحكام الواقعيّة ، لوجود العلم الإجمالي بأنّ كثيراً ممّا نحكم بطهارته مثلاً نجس في الواقع ولازمه بطلان عدد كثير من الصّلوات اليوميّة بناءً على اعتبار الطهارة الواقعيّة في ماء الوضوء والغسل ( لا في الثوب والبدن فإنّ المعتبر فيهما أعمّ من الواقعيّة والظاهريّة ). فإذا توضّأ أو اغتسل بالماء القليل وكان في الواقع نجساً كان لازمه بطلان الوضوء والغسل وما يترتّب عليهما من العبادات المختلفة.
وهكذا بالنسبة إلى أعمال مقلّدي مجتهد تبدّل رأيه أو مات وخالف رأيه قول المجتهد الحي ، فهل يمكن أن يقال بأنّ الشارع وضع قانوناً لمصلحة خاصّة لا تصل إليها أيدي أكثر المكلّفين؟ وكذلك بالنسبة إلى الصّيام والحجّ وغيرهما.
هذا كلّه في المورد الأوّل من المقام الثالث ، وهو ما إذا كان الأصل أو الأمارة جارياً لتنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلّقه ، أي كان جارياً في الأجزاء والشرائط سواء في الشبهات الحكمية أو الموضوعيّة.
أمّا المورد الثاني : وهو ما إذا كان الأصل أو الأمارة جارياً لإثبات أصل التكليف فذهب أكثر الأعلام فيها إلى عدم الإجزاء ، منهم المحقّق الخراساني والمحقّق النائيني والمحقّق العراقي رحمهمالله بل المحقّق الخراساني رحمهالله ذهب إلى عدم الإجزاء حتّى على مبنى السببيّة ببيان أنّ صلاة الجمعة وإن فرض إنّها صارت ذات مصلحة لأجل قيام الأمارة السببيّة على وجوبها ولكن لا ينافي
__________________
(١) نهاية الاصول : ص ١٢٧.