اخرى : إنّ السببيّة بهذا المعنى وإن كان أمراً معقولاً بحسب مقام الثبوت بأن يكون ثبوت الواقع مقيّداً بعدم قيام الأمارة على خلافه ، إلاّ أنّ الأدلّة لا تساعد على ذلك ، أمّا الإطلاقات الأوّليّة فلأنّ مقتضاها ثبوت الأحكام الواقعيّة للعالم والجاهل ولا دليل على تقييدها بعدم قيام الأمارة على الخلاف ، وأمّا أدلّة الاعتبار فلسانها لسان الطريقية لا السببيّة ، أمّا السيرة العقلائيّة فلأنّها جرت على العمل بها بملاك كونها طريق إلى الواقع ، وأمّا الآيات والرّوايات فلأنّ الظاهر منها إمضاء ما هو حجّة عند العقلاء.
وأمّا السببيّة بالمعنى الثالث فذهب شيخنا الاستاذ رحمهالله إلى أنّ حال هذه السببيّة حال الطريقة في عدم اقتضائها الإجزاء ، لأنّ المصلحة القائمة بسلوك الأمارة تختلف باختلاف السلوك ( وهو الزمان الذي لم ينكشف الخلاف فيه ) فإن كان السلوك بمقدار فضيلة الوقت ، فكانت مصلحته بطبيعة الحال بمقدار يتدارك بها مصلحتها فحسب ، لأنّ فوتها مستند إليه دون الزائد ، وأمّا مصلحة أصل الوقت فهي باقية فلابدّ من استيفائها بالإعادة ، وهكذا إذا كان السلوك بمقدار تمام الوقت وكان انكشاف الخلاف في خارجه فكون مصلحته بمقدار يتدارك بها مصلحة تمام الوقت الفائتة ، وأمّا مصلحة أصل العمل فهي باقية فلابدّ من استيفائها بالقضاء في خارج الوقت.
ولكن قوله بالنسبة إلى القضاء يرجع في الحقيقة إلى القول بأنّ القضاء تابع للأداء ، مع أنّ الحقّ أنّ القضاء يحتاج إلى أمر جديد ، ونتيجته أنّ سلوك الأمارة في مجموع الوقت إذا كان وافياً بمصلحة الصّلاة في الوقت كما هو مقتضى القول بالسببية بهذا المعنى لا مناصّ من القول بالإجزاء أيضاً ، فالصحيح بناءً على هذا المعنى من السببيّة هو التفصيل بين الأداء والقضاء ، والقول بالإجزاء في القضاء دون الأداء.
هذا ـ ولكن أوّلاً : قد حقّقنا في محلّه أنّه لا ملزم للإلتزام بهذه المصلحة التي تسمّى بالمصلحة السلوكيّة لتصحيح اعتبار الأمارات وحجّيتها ، لأنّه يكفي في ذلك ترتّب المصلحة التسهيلية عليه.
وثانياً : لا يمكن الالتزام بها لإستلزام القول بها التصويب وتبدّل الحكم الواقعي. ( انتهى كلامه بتلخيص منّا ) (١).
__________________
(١) راجع المحاضرات : ج ٢ ، ص ٢٦٦ ـ ٢٧٢.