أقول : الإنصاف كما سيأتي مشروحاً في مسألة التخطئة والتصويب في مبحث الاجتهاد والتقليد أنّ ما ذكره هذا المحقّق وغيره ( قدّس الله أسرارهم ) ( من كون القسم الأوّل من التصويب مستلزماً للدور أو واضح البطلان بالضرورة من الشرع وغيره ) ناشٍ عن الغفلة عمّا بنى عليه القول في هذه المسألة ، فإنّهم قالوا بأنّ الوقائع الخاليّة عن النصّ خاليّة عن الحكم الواقعي الشرعي وإنّ الشارع أوكل حكم التشريع في هذه المسائل إلى الفقهاء من طريق الاستحسان أو القياس على غيره أو ملاحظة المصالح المرسلة وغيرها ، فإذا أفتى فقيه بحكم في هذه الموارد صوّب الله رأيه.
وهذا وإن كان باطلاً لعدم قيام دليل على جواز التشريع للفقيه لا من الكتاب ولا من السنّة بل هو ازراء للشريعة من حيث إستلزامها النقص في أحكامها وعدم إكمال الدين وإتمام النعمة بل استلزامه نوعاً من الشرك الخفي.
ولكن هذا كلّه لا دخل له بلزوم الدور وشبهه ، هذا أوّلاً.
وثانياً : ما ذكره من وجود مصلحة التسهيل في الطرق والأمارات هو بعينه المصلحة السلوكيّة ، ومن العجب أنّه أثبت مصلحة التسهيل ونفي المصلحة السلوكيّة مع اتّحادهما أو كون التسهيل من مصاديقها البارزة.
وثالثاً : ما أفاده من لزوم القول بالتصويب وتبدّل الحكم الواقعي في القسم الثالث أيضاً ممنوع جدّاً ، لأنّ المصلحة السلوكيّة ليست في عرض مصلحة الحكم الواقعي بل هي في طولها.
وإن شئت قلت : إنّ المكلّف إذا سلك طريق الأمارة للوصول إلى الحكم الواقعي الذي هو ذو مصلحة في نفسه فأخطأه كان سلوكه هذا الطريق مستلزماً لمنافع جابرة لما فات منه من منافع الحكم الواقعي ( وسيأتي الإشارة إلى هذا إن شاء الله في مباحث الاجتهاد والتقليد أيضاً ).
إذا عرفت هذا فلنرجع إلى أصل المسألة فنقول ومن الله التوفيق والهداية :
الحقّ أنّ هذه المسألة هي مسألة تبدّل رأي المجتهد ، فنذكر هنا إجمالاً منها ونترك تفصيلها إلى محلّها من مبحث الاجتهاد والتقليد.
فنقول : ذهب جماعة من الأصحاب إلى الإجزاء فيما إذا تبدّل رأي المجتهد ، واستدلّوا عليه بوجوه :