وهيهنا وجه سادس : لا غبار عليه ، وهو عدم شمول أدلّة جواز العدول إلى المجتهد الثاني ( فيما إذا عدل المقلّد من مجتهد إلى مجتهد آخر ) أو أدلّة حجّية الاجتهاد الثاني ( فيما إذا تبدّل رأي المجتهد ) الأعمال السابقة وأنّه لا إطلاق لها بالنسبة إلى ما سبق ، بل القدر المتيقّن منها الأعمال اللاّحقة ، والحاصل أنّ حجّية الاجتهاد الثاني إنّما هي بالنسبة إلى أعماله في الحال وفي المستقبل ، أمّا بالنسبة إلى الماضي فلا يكشف عن فسادها.
ولعلّ هذا هو مراد من قال : « الواقعة الواحدة لا تتحمّل اجتهادين » ومن قال : « إنّ تبدّل رأي المجتهد كالنسخ » ، ومن قال : « إنّ الاجتهاد الثاني كالاجتهاد الأوّل » وإن كانت عباراتهم غير وافية بهذا المعنى ، وهذا الوجه خالٍ عن الإشكال ، وافٍ بتمام المقصود.
هذا كلّه بالنسبة إلى أعمال المقلّدين ، وأمّا حكم المجتهد نفسه بالنسبة إلى أعماله السابقة فالإجزاء أو عدم الإجزاء فيها مبني على شمول أدلّة حجّية الأمارات والاصول للأعمال السابقة ، لأنّ المحكّم بالنسبة إليه إنّما هو هذه الأدلّة لا أدلّة التقليد كما هو واضح ، فإن استظهر عمومها بالنسبة إليها فالحكم هو عدم الإجزاء ووجوب الإعادة أو القضاء ، وإلاّ يؤخذ بالقدر المتيقّن وهو الأعمال اللاّحقة ، ولازمه هو الإجزاء.
فالمهمّ بالنسبة إلى المجتهد نفسه حينئذٍ إنّما هو وجود هذا الإطلاق وعدمه في مقام الإثبات والاستظهار من الأدلّة ، والإنصاف أنّها أيضاً لا إطلاق لها بالنسبة إلى الأعمال السابقة ، والقدر المتيقّن هو حجّيتها بالنسبة إلى الأعمال اللاّحقة فتأمّل جيّداً.
هذا كلّه فيما إذا انكشف الخلاف بأمارة اخرى أو أصل كذلك ، أمّا إذا ظهر الخلاف بالقطع واليقين فالحكم بالإجزاء مشكل لعدم الدليل عليه.
بقي هنا امور :
الأمر الأوّل : أنّ ما اخترناه من الإجزاء لا يختصّ بالأحكام التكليفية بل يعمّ المعاملات بالمعنى الأخصّ وهو العقود والايقاعات ، فإذا أفتى مجتهد بجواز إجراء عقد النكاح بالصيغة الفارسيّة ثمّ تبدّل رأيه أو عدل المقلّد إلى مجتهد آخر يفتي بعدم الجواز ، كانت العقود الجاريّة بها مجزيّة ولا تجب إعادتها بالصيغة العربيّة ، وهكذا إذا إشترى داراً معاطاة لفتوى مقلّده بجوازها ثمّ تبدّل رأيه ، بل يعمّ المعاملات بالمعنى الأعمّ أيضاً كما إذا أفتى المجتهد بجواز قطع