البصرة إلى الكوفة » مثلاً كلّي تتصوّر له أفراد كثيرة بملاحظة وجود بوّابات كثيرة مثلاً للبصره أو الكوفة وأمكنة متعدّدة لابتداء السير ، فالامتثال لهذا الْامر له مصاديق كثيرة ، وكلّ ما كان له مصاديق كثيرة كان كلّياً.
وأمّا كونها إيجاديّة وأنّ الإيجاد جزئي حقيقي فيمكن الجواب عنه أيضاً بأنّه كذلك ، أي يكون الإيجاد جزئيّاً حقيقيّاً ، ولكن البحث هنا ليس بحثاً عن التقييد بمعنى التضييق والتخصيص بل أنّه بحث عن التقييد بمعنى التعليق ، وسيأتي في الوجه الرابع أنّ أحدهما غير الآخر حيث إنّ التعليق إيجاد على فرض ، فيمكن تعليق الإيجاد أو الوجود على شيء مفروض الوجود وإن لم يمكن تقييده ، فلا مانع مثلاً من تعليق وجود إكرام زيد ولو بنحو خاصّ على مجيئه وإن كان جزئيّاً حقيقياً.
الأمر الثاني : ما يستفاد من كلمات بعض الأعاظم من أنّ المعنى الحرفي وإن كان كلّياً إلاّ أنّه ملحوظ باللحاظ الآلي ولا يلحظ استقلالاً حتّى يمكن تقييده ، حيث إنّ التقييد أو الإطلاق من شؤون المعاني الملحوظة باللحاظ الاستقلالي (١).
ويرد عليه : أيضاً إنّا لم نقبل في محلّه كون المعاني الحرفيّة معاني مرآتيّة آليّة بمعنى المغفول عنها ، بل قد ذكرنا هناك أنّه ربّما يكون المعنى الحرفي أيضاً مستقلاً في اللحاظ بهذا المعنى ويكون تمام الالتفات والتوجّه إليه كما إذا قلت : هل الطائر في الدار أو على الدار؟ ومرادك السؤال عن « الظرفيّة » و « الاستعلاء » في مثل الطائر الذي تعلم بوجود نسبة بينه وبين الدار ، لكن لا تدري أنّ هذه النسبة هي الظرفيّة أو الاستعلاء.
نعم ، إنّ المعاني الحرفيّة تابعة للمعاني الاسمية في الوجود الخارجي والذهني ، ولا إشكال في أنّ التبعيّة في الوجود لا تلازم كون المعنى الحرفي مغفولاً عنه ، فقد وقع الخلط هنا بين التبعيّة في الوجود الذهني وعدم قيام المفهوم بنفسه وبين الغفلة عنه مع أنّ بينهما بون بعيد.
الأمر الثالث : لزوم اللغويّة حيث أنّه إذا كان الوجوب استقبالياً فلا ثمرة للايجاب والإنشاء في الحال ، وبعبارة اخرى : إذا لم يكن المنشأ طلباً فعليّاً يكون الإنشاء لغواً.
والجواب عنه واضح : لأنّ المفروض أنّ أحكام الشارع أحكام كلّية تصدر على نهج
__________________
(١) راجع أجود التقريرات : ج ١ ، ص ١٣١.