القضايا الحقيقية وشاملة لجميع المكلّفين الواجدين منهم للشرائط المذكورة فيها وغيرهم ، فوجوب الحجّ مثلاً يشمل المستطيع فعلاً ومن سيستطيع ، وعندئذٍ لا بدّ من صدور الخطاب بشكل القضيّة الشرطيّة حتّى يكون فعليّاً بالنسبة إلى من كان الشرط محققاً له الآن ، واستقبالياً بالنسبة إلى من يحصل الشرط له فيما بعد ، أي يكون الخطاب الواحد بالنسبه إلى بعض فعليّاً وبالنسبة إلى آخر مشروطاً تقديريّاً ، والغفلة عن هذه الحقيقة أوجبت الإيراد باللغويّة.
أضف إلى ذلك أنّه ربّما يلزم تقديم الإنشاء لمراعاة حال المكلّف ولو كان الإنشاء شخصيّاً لكي لا يواجه التكليف فجأةً بل يكون على ذكر منه فيهيّء نفسه للامتثال ، أو مراعاة حال نفسه فلا يكون بحاجة إلى خطاب جديد مثلاً ، فلعلّه لا يتمكّن في ذلك الوقت من الإيجاب والإنشاء ( وهذا ما يجري حتّى في القضايا الشخصيّة فضلاً عن الحقيقية الكلّية ) إلى غير ذلك من المصالح.
الأمر الرابع : أنّ الإنسان إذا توجّه إلى شيء وإلتفت إليه فلا يخلو : إمّا أن يطلبه أم لا ، ولا ثالث في البين ، لا كلام على الثاني ، وعلى الأوّل لا يخلو من أنّ الفائدة إمّا أن تقوم بطبيعي ذلك الشيء من دون دخل خصوصيّة من الخصوصيّات فيها ، أو تقوم بحصّة خاصّة منه ، وعلى الأوّل فطبيعي أن يطلبه المولى على إطلاقه وسعته ، وعلى الثاني يطلبه مقيّداً بقيد خاص ، وهذا القيد ، تارةً يكون اختياريّاً واخرى غير اختياري ، وعلى الأوّل تارةً يكون مورداً للطلب والبعث ، وذلك كالطهارة مثلاً بالإضافة إلى الصّلاة ، واخرى لا يكون كذلك بل أخذ مفروض الوجود ، وذلك كالإستطاعة بالإضافة إلى الحجّ ، وعلى الثاني أي فرض كونه غير اختياري فهو لا محالة أخذ مفروض الوجود في مقام الطلب والجعل لعدم صحّة تعلّق التكليف به ، وكزوال الشمس بالإضافة إلى وجوب الصّلاة ، وعلى جميع التقادير فالطلب فعلي ومطلق ، والمطلوب مقيد من دون فرق بين كونه اختياريّاً أو غير اختياري ، ونتيجته رجوع القيد بشتّى ألوانه إلى المادّة.
ويرد عليه : أيضاً أنّ الاحتمالات لا تنحصر في ما ذكر ، والحصر ليس بحاصر ، بل هنا احتمال آخر لم يشر إليه المستدلّ في كلامه ، حيث إنّ الإنسان إذا إلتفت إلى شيء فإمّا أن لا يطلبه مطلقاً فلا كلام فيه ، وإمّا أن يطلبه مطلقاً أي لا يكون طلبه مشروطاً بشيء ومعلّقاً على