بها هو الإرادة وهي غير الطلب ، وأمّا الطلب فالحقيقي منه عبارة عن التصدّي الخارجي نحو المطلوب ، والإنشائي منه إنّما هو بعث الغير واغرائه إلى المطلوب ولا إشكال في أنّ البعث إيجاد والإيجاد أمر جزئي حقيقي لا يقبل الإطلاق والتقييد.
والأولى في الجواب عن الإشكال أن يقال : إنّ الجزئي وإن استحال تقييده بعد تحقّقه في الخارج إلاّ أنّه لا ريب في إمكان تقييده وتضييقه قبل الإيجاد من باب « ضيق فم الركّية ».
وأورد على التمسّك بالاطلاق ثانياً : بأنّ « المعاني الحرفيّة وإن كانت كلّية إلاّ أنّها ملحوظة بتبع لحاظ متعلّقاتها أعني المعاني الاسمية لكونها قد إتّخذت آلة لملاحظة أحوال المعاني الاسمية ، وما كان هذا شأنه فهو دائماً مغفول عن ملاحظته بخصوصه ، وعليه فكيف يعقل توجّه الإطلاق والتقييد إليه؟ لاستلزامه الالتفات إليه بخصوصه في حال كونه مغفولاً عنه بخصوصه وهذا خلف » (١).
والجواب عنه واضح وذلك لما مرّ في مبحث المعاني الحرفيّة من أنّ المعاني الحرفيّة تابعة للمعاني الاسمية في الوجود الذهني والخارجي ، وهو لا يلازم كونها مغفولاً عنها بل أنّها قد تصير ملحوظة وملتفتاً إليها بتمام اللحاظ والتوجّه ، نظير ما نقل عن المحقّق نصير الدين الطوسي رحمهالله حيثما حضر في محضر درس المحقّق رحمهالله صاحب الشرائع وأفتى المحقّق باستحباب التياسر في القبلة لأهل العراق فسأله المحقّق الطوسي رحمهالله : التياسر من القبلة أو إلى القبلة؟
فأجاب المحقّق رحمهالله بقوله : « من القبلة إلى القبلة » ، فلا مانع من إطلاق المعنى الحرفي وتقييده من هذه الناحية أيضاً.
هذا كلّه بالنسبة إلى الأصل اللّفظي ، فقد تحصّل أنّ التمسّك بالاطلاق تامّ.
أمّا الأصل العملي فيما إذا لم يكن هناك إطلاق فيتصوّر له ثلاث صور :
الصورة الاولى : ما إذا شككنا في النفسيّة والغيريّة قبل مجيء وقت ما يحتمل كون المشكوك مقدّمة له ، كما إذا شككنا قبل الظهر في أنّ غسل الجنابة واجب نفسي أو غيري للصّلاة ، فلا إشكال في أنّ الأصل في هذه الصورة إنّما هو البراءة ، فإنّه إن كان غيريّاً لم يجب الإتيان به لعدم وجوب ذي المقدّمة فعلاً.
__________________
(١) حكاه في بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ٣٧٣.