ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ )(١) ، ونظير ما وردت من الرّوايات الكثيرة بالنسبة إلى زيارة قبر الإمام أبي عبدالله عليهالسلام ، وبالنسبة إلى الذهاب إلى المسجد وترتّب الثواب على كلّ خطوة ، وهكذا ما ورد بالنسبة إلى مقدّمات تحصيل العلم.
وأمّا ترتّبه على خصوص ما إذا قصد بإتيان المقدّمة الوصول إلى ذي المقدّمة فلأنّ الأعمال بالنيّات ، والتقرّب المزبور إنّما يحصل فيما إذا قصد بالمقدّمة امتثال تكليف إلهي والوصول إلى واجبه.
وأمّا ترتّبه على خصوص المقدّمة الموصلة بالوصول الفعلي عند عدم المانع فلأنّه لو شرع بالمقدّمات ثمّ انصرف عنها من دون عذر لم يحصل له التقرّب المزبور كما لا يخفى.
وبما ذكرنا يظهر أنّ ما قد يقال « من أنّ الثواب عند العرف والعقلاء لا يترتّب على المقدّمة بل هو إنّما يترتّب على خصوص ذي المقدّمة فإنّهم لا يعطون اجرة على ما يتحمّله الأجير للبناء مثلاً من مقدّمات الوصول إلى ذي المقدّمة كطيّ مسافة من بلدة إلى بلدة » ، في غير محلّه ، حيث إنّا قلنا أنّ الاستحقاق في ما نحن فيه ليس من قبيل الاجرة للأجير بل هو بمعنى اللياقة والاستعداد لفضل الله تعالى ، والمعيار فيه إنّما هو القرب الذي يحصل للعبد وهو حاصل في الإتيان بالمقدّمات أيضاً.
كما يظهر أنّ المترتّب على المقدّمة ثواب مستقلّ وليس هو نفس ما يترتّب على ذي المقدّمة كما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله.
واستدلّ المحقّق الخراساني رحمهالله لعدم ترتّب الثواب مطلقاً بحكم العقل ، بمعنى أنّه إذا أتى بالواجبات بما لها من المقدّمات لم يستقلّ العقل إلاّباستحقاق ثواب واحد.
وقد ظهر ممّا ذكرنا الجواب عنه أيضاً ، لأنّه إن كان مراده ما إذا لم يقصد من المقدّمة الوصول إلى ذي المقدّمة ، فالحقّ ما ذهب إليه من حكم العقل بعدم ترتّب ثواب مطلقاً ، وأمّا إن كان مراده ما إذا قصد بالمقدّمة الوصول إلى ذيها فالإنصاف أنّ ضرورة العقل على عكس ما ذكر ،
__________________
(١) سورة التوبة : الآية ١٢٠ و ١٢١.