وأمّا الإشكال الثالث ، أي إشكال الدور.
ففيه : إنّا نسلّم كون عباديّة الطهارات متوقّفة على قصد الأمر ، ولكن توقّف قصد الأمر على عباديّة الطهارات إنّما يوجب الدور فيما إذا كان المتوقّف عليه عباديتها في الرتبة السابقة على الأمر أو المقارنة معه ، مع أنّه عبارة عن اجتماع شرائط العبادة حين الامتثال ، أي إن تعلّق أمر المولى بها لا يحتاج إلى كونها عبادة حين الأمر بل إنّه يأمر بها لاجتماع شرائط العبادة فيها حين الامتثال ، وذلك نظير توقّف الأمر على قدرة المكلّف على الفعل ، فإنّه ليس معناه لزوم القدرة على الفعل حين الأمر بل تكفي قدرته حين الامتثال ، فلو كان العاجز ممّن يقدر على العمل بعد أمر المولى وحين الامتثال كان للمولى أن يأمره. ولذلك قد يقال : إنّ القدرة شرط للإمتثال لا للتكليف.
هذا كلّه بناءً على شرطيّة قصد الأمر في عباديّة العبادة ، وأمّا بناءً على ما مرّ في مبحث التعبّدي والتوصّلي من أنّها ليست منوطة بقصد الأمر فالأمر أوضح وأسهل.
الوجه الثاني : ما أفاده الشّيخ الأعظم رحمهالله وتبعه المحقّق الخراساني رحمهالله وكثير من الأعاظم ( وهو جيّد لا غبار عليه ) وحاصله : أنّ الطهارات عبادات في أنفسها مستحبّات في حدّ ذاتها ، فعباديتها لم تنشأ من ناحية الأمر حتّى يلزم الدور.
ولكن قد أورد عليه بوجوه أهمّها وجهان :
الأوّل : أنّ هذا تامّ في الوضوء وقد يقال به في الغسل أيضاً ، وأمّا التيمّم فلم يقل أحد باستحبابه النفسي.
ويمكن الجواب عنه : بأنّه بعد أن لم يكن إجماع على عدم مطلوبيّة التيمّم ذاتاً يكفي في إثباتها له ما ورد في الرّوايات من « أنّ التراب أحد الطهورين » إذا انضمّ إلى ما يستفاد من إطلاقات الباب من أنّ المستحبّ إنّما هو الكون على الطهارة في نفسه.
توضيح ذلك : أنّه قد ذكرنا في محلّه في الفقه من أنّ معنى كون الوضوء مستحبّاً نفسيّاً ليس هو مطلوبيّة الغسلتان والمسحتان فيه ، بل المطلوب ذاتاً إنّما هو الكون على الطهارة الذي يترتّب على الغسلتان والمسحتان ، ويعدّ غاية للوضوء ، وأنّه هو المقدّمة والشرط للصّلاة في الحديث المعروف « لا صلاة إلاّبطهور » ، ولا إشكال في أنّ مقتضى قوله عليهالسلام« إنّ التراب أحد الطهورين » أنّ وزان التيمّم هو وزان الوضوء وأنّ كلّ ما يترتّب على الوضوء يترتّب على