التيمّم أيضاً ، ومن الغايات المترتّبة على الوضوء هو الكون على الطهارة ، فيترتّب هو على التيمّم أيضاً ونتيجته كون التيمّم أيضاً ، مستحبّاً نفسيّاً بنفس المعنى في الوضوء.
الثاني : أنّ الأمر النفسي الاستحبابي المتعلّق بها كثيراً مّا يكون مغفولاً عنه ولا سيّما للعامي ، بل ربّما يكون الشخص معتقداً عدمه بإجتهاد أو تقليد أو نحو ذلك ، ومع هذا يكون الإتيان بها بداعي التوصّل بأمرها الغيري صحيحاً ، فلو كان منشأ عباديتها ذلك الأمر النفسي لم تقع صحيحة.
واجيب عنه : بأنّ الاكتفاء بقصد أمرها الغيري إنّما هو لأجل أنّه لا يدعو إلاّ إلى ما هو عبادة في نفسه ، فإنّها المقدّمة والمتعلّق للأمر الغيري ، فإذا أتى بالطهارات بداعي أمرها الغيري فقد قصد في الحقيقة إتيان ما هو عبادة في نفسه إجمالاً فيكون قصد الأمر الغيري عنواناً إجمالياً ومرآتاً واقعياً لقصد ما هو العبادة في نفسه.
الوجه الثالث : أنّ اعتبار قصد القربة في الطهارات ليس لأجل أنّ الأمر المقدّمي ممّا يقتضي التعبّديّة ( أي عدم حصول الغرض منه إلاّ إذا أتى بالفعل بداعي القربة ) بل لأجل أنّ ذوات تلك الحركات الخاصّة في الوضوء والغسل والتيمّم ليست مقدّمة للصّلاة بل هي بعنوان خاصّ تكون مقدّمة لها ، وحيث لا نعلم تفصيل ذلك العنوان المأخوذ فيها فنأتي بتلك الحركات بداعي أمرها الغيري كي يكون إشارة إلى ذاك العنوان ، فإنّ الأمر لا يدعو إلاّ إلى متعلّقه ، فإذا أتينا بتلك الحركات بداعي وجوبها الغيري فقد أتينا بها بعنوانها الخاصّ المأخوذ فيها ، والحاصل أنّ قصد الأمر هنا إنّما هو لتحصيل العنوان القصدي لا للحصول على القربة الذي يتمكّن منها بقصد الطاعة.
ولكن يرد عليه إشكالات عديدة :
منها : أنّ لازمه كفاية تحقّق مجرّد العنوان في تحقّق الامتثال وعدم اعتبار عباديّته مع أنّ عباديّة الطهارات إجماعيّة.
وإن شئت قلت : أنّه لو كان وجه اعتبار قصد الأمر في الطهارات الثلاث هو الإشارة إلى العنوان الخاصّ المأخوذ فيها لجازت الإشارة إليه بقصد الأمر وصفاً أيضاً بأن كان أصل الداعي لإتيانه شيئاً آخر غير قربى فيقول مثلاً : إنّي آتٍ بالوضوء الواجب لأجل التبريد أو التنظيف ونحوهما من الدواعي النفسانيّة ، فيكون قصد الأمر حينئذ بنحو التوصيف كافياً