إن قلت : لازم ذلك عدم حصول الغرض فيما إذا أتى المكلّف بالمقدّمة من دون التوصّل مع أنّه لا شبهة في حصوله فيما إذا كانت المقدّمة من التوصّليات.
قلنا : ربّما يسقط الغرض من المأمور به بما ليس بمأمور به ، فينتفي الواجب بانتفاء موضوعه ، وهذا ممّا يتّفق كثيراً ما في الواجبات التوصيلية كما إذا حصل تطهير المسجد بنزول المطر أو بماء مغصوب لم يكن التطهير به مأموراً به قطعاً ، ولكنّه لا ينافي اختصاص الوجوب بحصّة خاصّة من المقدّمة وهي الحصّة المقيّدة بقصد التوصّل.
وقد أورد عليه بما حاصله : إنّ الواجب إنّما هو ذات المقدّمة التي هي مقدّمة بالحمل الشائع ، وأمّا عنوانها فهو من الجهات الباعثة على وجوبها كالمصالح والمفاسد الكامنة في متعلّقات الأحكام ( فهو في الواقع من الجهات التعليلية لوجوب المقدّمة لا من الجهات التقييديّة له ) فلو أتى بالمقدّمة بدون قصد التوصّل فقد أتى بالواجب ، وإلاّ لو لم يكن الواجب مطلق المقدّمة لم يجتز بما لم يقصد به التوصّل ولم يسقط به الوجوب قطعاً ، فلابدّ من نصب السلّم مرّة اخرى مثلاً بقصد التوصّل مع أنّه ممّا لم يقل به أحد ويخالفه حكم العقل القطعي ، ولا يقاس ذلك بمثل تطهير المسجد بمقدّمة محرمة كماء مغصوب أو بنزول المطر لأنّ عدم اتّصاف المقدّمة فيهما بالوجوب ليس إلاّلأجل المانع عنه ، وهو الاتّصاف بالحرمة في المثال الأوّل ، والخروج عن القدرة في المثال الثاني لا لفقد المقتضي فيه ، أي الملاك من التوقّف والمقدّميّة ، فلولا المانع لأتّصفا أيضاً بالوجوب قطعاً كغيرهما من الفرد المباح والفرد الداخل في القدرة.
ثمّ إنّ المحقّق الإصفهاني رحمهالله في حاشية الكفاية تصدّى إلى توجيه مراد الشّيخ رحمهالله بما حاصله : أنّه فرق بين الواجبات العقليّة والواجبات الشرعيّة ، فإنّ الجهات التعليلية في الثانيّة غير الجهات التقييديّة فيها ، فإن الصّلاة مثلاً تكون الجهة التعليلية فيها النهي عن الفحشاء مثلاً ، وهو ليس قيداً لها حتّى يكون الواجب الصّلاة الناهية عن الفحشاء ، بخلاف الأحكام العقليّة فتكون الجهة التعليلية فيها بعينها هي الموضوع لحكم العقل ، فحكم العقل بحسن ضرب اليتيم للتأديب مثلاً حكم بحسب الواقع والحقيقة بحسن التأديب ، كما أنّ حكمه بقبح الضرب للايذاء حكم في الواقع بقبح الايذاء ، فتكون الجهة التعليلية فيها بعينها هي الجهة التقييديّة والموضوع للحكم ، وعلى هذا الضوء فبما أنّ مطلوبيّة المقدّمة ليست لذاتها بل لحيثية مقدّميتها والتوصّل