يكون مقدّمة لوجود المركّب منهما ، فننقل الكلام إلى هذين الجزئين ، فهل هما واجبان مطلقاً ، أو مع قيد الإيصال؟ والأوّل خلاف الفرض ، والثاني يوجب تركّب كلّ من الجزئين من ذات وقيد وهكذا إلى أن يتسلسل.
ويمكن الجواب عنه : بأنّ هذا مبني على كون الأجزاء الداخليّة مقدّمة للمركّب مع أنّه قد أنكرناه سابقاً وقلنا أنّها عبارة عن نفس المركّب لا مقدّمة له.
هذا ـ مضافاً إلى أنّ التسلسل ممتنع في الامور التكوينيّة لا الاعتباريّة ، فإنّها تدور مدار الاعتبار كلّما أمسك المعتبر من اعتبارها انتهت.
ولقد أجاد بعض الأعلام حيث قال : « والتحقيق في المقام أن يقال : إنّ الالتزام بوجوب المقدّمة الموصلة لا يستدعي اعتبار الواجب النفسي قيداً للواجب الغيري أصلاً ، والسبب في ذلك هو أنّ الغرض من التقييد بالايصال إنّما هو الإشارة إلى أنّ الواجب إنّما هو حصّة خاصّة من المقدّمة ، وهي الحصّة الواقعة في سلسلة العلّة التامّة لوجود الواجب النفسي دون مطلق المقدّمة ، وبكلمة اخرى : أنّ المقدّمات الواقعة في الخارج على نحوين :
أحدهما : ما كان وجوده في الخارج ملازماً لوجود الواجب فيه وهو ما يقع في سلسلة علّة وجوده.
وثانيهما : ما كان وجوده مفارقاً لوجوده فيه وهو ما لا يقع في سلسلتها ، فالقائل بوجوب المقدّمة الموصلة إنّما يدّعي وجوب خصوص القسم الأوّل منهما دون القسم الثاني ، وعليه فلا يلزم من الالتزام بهذا القول كون الواجب النفسي قيداً للواجب الغيري ، فإذن لا موضوع لإشكال الدور أو التسلسل أصلاً » (١).
هذا كلّه في القول الرابع.
امّا القول الخامس : وهو وجوب المقدّمة حال الإيصال ، ذهب إليه شيخنا الحائري والمحقّق النائيني والمحقّق العراقي قدسسرهم ( كما مرّ ) فإنّهم بعد أن لاحظوا حكم الوجدان بوجوب المقدّمة الموصلة ومن جانب آخر استلزام هذا الحكم محاذير عقليّة كالدور والتسلسل التجأوا إلى هذا
__________________
(١) المحاضرات : ج ٢ ، ص ٤١٤ ـ ٤١٥.