الثمرة الثالثة : ما ذكره كثير من الأصحاب من أنّه بناءً على القول بوجوب المقدّمة مطلقاً تكون عبادة تارك الضدّ الواجب الأهمّ باطلة كصلاة تارك الإزالة بناءً على أن يكون ترك الضدّ مقدّمة لإتيان الضدّ الآخر ، فيكون ترك الصّلاة واجباً لكونه مقدّمة للازالة الواجبة ، فيكون فعلها حراماً لأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه العامّ ، والضدّ العامّ للترك الواجب هو الفعل ، فتكون العبادة باطلة.
وأمّا بناءً على القول بوجوب المقدّمة الموصلة تقع الصّلاة صحيحة ، لأنّ اشتغال المكلّف بالصّلاة في صورة ترك الإزالة كاشف عن وجود صارف عن الإزالة وعن عدم إرادتها ، فلم يكن ترك الصّلاة موصل إلى الإزالة لوجود هذا الصارف ، فلم يكن واجباً ، فلا يكون فعلها حراماً ، ونتيجته صحّة الصّلاة.
ولكن أورد على هذه الثمرة شيخنا الأعظم الأنصاري رحمهالله ( على ما في تقريراته ) بما لفظه : « إنّ الترك الخاصّ ( يعني به الترك الموصل ) نقيضه رفع ذلك الترك وهو أعمّ من « الفعل » ( مثل فعل الصّلاة ) و « الترك المجرّد » لأنّ نقيض الأخصّ أعمّ مطلق كما قرّر في محلّه فيكون الفعل لازماً لما هو من أفراد النقيض ، وهذا يكفي في إثبات الحرمة ، وإلاّ لم يكن الفعل المطلق محرّماً فيما إذا كان الترك المطلق واجباً ( أي بناءً على وجوب المقدّمة مطلقاً ) لأنّ الفعل على ما عرفت ليس نقيضاً للترك لأنّه أمر وجودي ونقيض الترك إنّما هو رفعة ( ترك الترك ) ، ورفع الترك إنّما هو يلازم الفعل مصداقاً وليس عينه كما هو ظاهر عند التأمّل.
فكما أنّ هذه الملازمة تكفي في إثبات الحرمة لمطلق الفعل فكذلك يكفي في المقام ( إلى أن قال ) غاية الأمر أنّ ما هو النقيض في مطلق الترك إنّما ينحصر مصداقه في الفعل فقط ، وأمّا النقيض للترك الخاصّ فله فردان وذلك لا يوجب فرقاً فيما نحن بصدده كما لا يخفى » (١) ( انتهى ).
وأجاب عنه المحقّق الخراساني رحمهالله : بأنّ فعل الصّلاة بناءً على القول بوجوب المقدّمة الموصلة لا يكون إلاّمقارناً لما هو النقيض ، وهو رفع الترك الموصل الذي يجامع مع الفعل تارةً ومع الترك المجرّد غير الموصل اخرى ، ولا يكاد يسري حرمة الشيء إلى ما يلازمه فضلاً عمّا يقارنه أحياناً ، نعم لا بدّ أن لا يكون الملازم محكوماً فعلاً بحكم آخر على خلاف حكمه لا أن يكون محكوماً بحكمه ، وهذا بخلاف فعل الصّلاة على القول بوجوب المقدّمة مطلقاً ، لأنّه حينئذٍ
__________________
(١) مطارح الأنظار : ص ٧٨.