حكم على المقدّمة ، والإرادة لا تكفي فيه ، بل يكون جعل الحكم لغواً.
قلنا : وجود حكم العقل في مورد لا يوجب لغويّة حكم الشارع في ذلك المورد ، كما نلاحظه في حكم الشارع بوجوب الاحسان أو استحبابه وحرمة الظلم ونحوهما ، ولذلك قيل ( ونعم ما قيل ) « إنّ الواجبات الشرعيّة الطاف في الواجبات العقليّة » وبعبارة اخرى : حكم الشارع في موارد حكم العقل يكون تأكيداً لحكم العقل ولا لغويّة في التأكيد ، هذا أوّلاً.
وثانياً : لا حاجة في وجوب المقدّمة إلى جعل واعتبار فعلي من طريق الخطابات الأصليّة بل يمكن كشف حكم الشارع من ناحية كشف وجود الشوق والإرادة ، أي من ناحية كشف مبادىء الحكم ووجود ملاكه فإنّه يساوق الحكم نفسه كما سيأتي بناءً على قول المنكرين للترتّب من أنّ تزاحم المهمّ مع الأمر بالأهمّ يوجب عدم فعليّة الأمر بالمهم ، ولكنّه مع ذلك لا يوجب بطلان المهمّ العبادي بعد ترك الأهمّ لوجود الملاك ، فتدبّر جيّداً.
وأمّا الوجه الأوّل : فالجواب عنه أنّه لا إشكال في أنّ الفعل التسبيبي أيضاً يعدّ فعلاً للمولى كالفعل المباشري ويستند إلى المولى ، وإذاً كيف يمكن أن يتسامح الفاعل في مقدّمات فعليه ، فإن أراد المولى صعود العبد إلى السطح حقيقتاً فلا محالة يريد نصب السلّم وغيره من المقدّمات أيضاً ، وإن أراد أمير العسكر من عسكره فتح بلد حتماً وتعلّقت إرادته به حقيقة فسوف تتعلّق إرادته بمقدّماته من تهيئة التداركات وإيجاد النظام بين أفراد العسكر وتهيئة طرح للعمليّات بلا ريب ، نعم قد يكون وضوح الإتيان بالمقدّمات للعبد بحيث لا يحتاج المولى إلى مزيد بيان ، ولكن لا بمعنى أنّه لا يريدها بل بمعنى أنّه لا يحتاج إلى بيان هذا الأمر لوضوحه.
هذا كلّه في الدليل الأوّل على وجوب المقدّمة ، وقد ظهر أنّه تامّ في محلّه.
الأمر الثاني : ما ذكره بعضهم من أنّ الوجدان أقوى شاهد على أنّ الإنسان إذا أراد شيئاً له مقدّمات ، أراد تلك المقدّمات لو التفت إليها بحيث ربّما يجعلها في قالب الطلب مثله ، ويقول مولويّاً : « ادخل السوق وإشتر اللحم » مثلاً بداهة أنّ الطلب المنشأ بخطاب « ادخل » مثل المنشأ بخطاب « اشتر » في كونه بعثاً مولويّاً ، فحيث تعلّقت إرادته بشراء اللحم ترشّحت منها له إرادة اخرى بدخول عبده السوق بعد الالتفات إليه وأنّه يكون مقدّمة له كما لا يخفى.
أقول : قد ظهر ممّا ذكرنا في مقام الدفاع عن الوجه الأوّل ضعف ما أُورد على هذا الوجه في المحاضرات من أنّ الوجدان حاكم على الخلاف للزوم اللغويّة فتدبّر ، فإنّك قد عرفت :