ذِكْرِ اللهِ ). (١)
ومنها : قوله تعالى : ( إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ )(٢) ( حيث إنّ الامتحان واجب مقدّمة لتشخيص الإيمان والكفر ) إلى غير ذلك من الأوامر الغيريّة الواردة في الكتاب الكريم ، ففي جميع ذلك وأشباهها أمر الله تعالى بالواجبات الغيريّة المقدّميّة.
وقد توهّم بعض انحصار هذا القبيل من الأوامر في ما تعلّق بالطهارات الثلاث ثمّ استشكل على الاستدلال بها في المقام بأنّها ليست أوامر مولويّة بل إرشاديّة ترشد إلى شرطيّة الطهارات الثلاث فقط.
ولكنّه قد ظهر عدم انحصارها في ذلك ، مضافاً إلى أنّه سيأتي إن شاء الله تعالى في باب استصحاب الأحكام الوضعية من مباحث الاستصحاب من أنّ الشرطيّة والجزئيّة أمران منتزعان من الأحكام التكليفية كغيرهما من الأحكام الوضعية ، وبعبارة اخرى : أنّ الشرطيّة أو الجزئيّة متأخّرة عن الأمر رتبة ، وهي تنتزع من الأمر المولوي المتعلّق بالمأمور به ، فكيف يمكن أن يكون الأمر إرشاداً إليها؟ فتدبّر فإنّه حقيق به.
الأمر الرابع : ما نسب إلى أبي الحسن البصري الأشعري من أنّ المقدّمة لو لم تكن واجبة لجاز تركها ، وحينئذٍ فإن بقى الواجب على وجوبه يلزم التكليف بما لا يطاق وإلاّ خرج الواجب المطلق عن وجوبه.
واجيب عنه : بأنّا نلتزم بالشقّ الأوّل في كلامه ، وهو بقاء الواجب على وجوبه ولكن لا يلزم التكليف بما لا يطاق ، لأنّا لا نقول حينئذٍ بوجوب ترك المقدّمة حتّى تكون ممتنعة شرعاً ويصير ذو المقدّمة غير مقدور ، بل نقول بعدم وجوبها شرعاً ، أي المراد من جواز تركها عدم المنع الشرعي عن تركها ، فتكون باقية على وجوبها العقلي ولا إشكال في أنّه لا يلزم حينئذٍ محذور عقلي في الأمر بذي المقدّمة.
هذا تمام الكلام في أدلّة القائلين بوجوب المقدّمة ، وقد عرفت تماميّة الوجوه الثلاثة الاولى بلا إشكال ، وإن كان بعضها كالأخير قاصراً عن إثبات المطلوب.
وأمّا القائلون بعدم وجوبها فاستدلّوا بلزوم اللغويّة مع وجود اللابدّية العقليّة.
__________________
(١) سورة الجمعة : الآية ٩.
(٢) سورة الممتحنة : الآية ١٠.