النهي بالمسبّب في ظاهر الخطاب فهو متعلّق بذات السبب في نفس الأمر لا محالة كما أنّه إذا تعلّق بالسبب فهو يتعلّق به بما أنّه معنون بمسبّبه فإذا كان الأمر بكلّ منهما أمراً بالآخر فلا معنى للاتّصاف بالوجوب الغيري » (١).
ولكنّه غير تامّ ، لأنّ ذا المقدّمة في هذه الموارد أيضاً مقدور للمكلّف ، فإنّ المقدور بالواسطة مقدور ، فيمكن تعلّق الأمر أو النهي به حينئذٍ فإذا تعلّق النهي مع ذلك بالمقدّمة كان غيريّاً.
وإن شئت قلت : ملاك المبغوضيّة والحرمة قائم بنفس المسبّب لا السبب.
الأمر الثاني : ما ذهب إليه في تهذيب الاصول من أنّ الحرام من مقدّمة الحرام بناءً على الملازمة إنّما هو الجزء الأخير إذا كانت أجزاء العلّة مترتّبة ، أو الواحد من الأجزاء إذا كانت عرضيّة ، لا أن تكون جميع المقدّمات محرّمة كما تجب جميع مقدّمات الواجب ، واستدلّ لذلك بمساعدة الوجدان عليه وبأنّ « الزجر عن الفعل مستلزم للزجر عمّا يخرج الفعل من العدم إلى الوجود لا عن كلّ ما هو دخيل في تحقّقه لأنّ وجود سائر المقدّمات وعدمها سواء في بقاء المبغوض على عدمه ، والمبغوض هو انتقاض العدم بالوجود ، وما هو سبب لذلك هو الجزء الأخير في المترتّبات ، وفي غيرها يكون المجموع كذلك وعدمه بعدم جزء منه » (٢).
أقول : إنّ الوجدان حاكم بأنّ المؤثّر في العدم والناقض له هو جميع المقدّمات معاً لا خصوص الأخير منها ، فإنّه من قبيل مصباح كهربائي يضاء بمائة زرّ مترتّبة ، فإنّ سبب الإضاءة حينئذٍ جميع المائة ولكلّ واحد
منها دخل في الإضاءة ، فتكون معاً ناقضة للعدم والظلمة لا خصوص الأخير منها ، فلو كان ايقاد السراج هنا مبغوضاً للشارع المقدّس كان جميع ما هو مؤثّر في هذا الأمر أيضاً مبغوضاً له بالملازمة.
وإن شئت قلت : عدم بعض هذه الأجزاء الطوليّة أو العرضيّة وإن كان كافياً في انعدام مبغوض المولى ولكن جميعها مؤثّرة في إيجاد مبغوضه بحيث لا يكفي بعضها فيه ، وحينئذٍ يسري البغض إليها جميعاً ، وفي الحقيقة ليس العدم مطلوباً بل الوجود مبغوض.
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٢١٩ ـ ٢٢٠.
(٢) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٢٢٥ ـ ٢٤٤ ، طبع مهر.