الجواب الأوّل : أنّ التمانع إنّما هو بمعنى عدم الاجتماع في الوجود ، وهو لا يلازم مقدّميّة أحد المتمانعين للآخر وتقدّمه عليه رتبة ، بل غاية ما يقتضيه إنّما هو كون وجود أحدهما مع عدم الآخر في رتبة واحدة.
هذا حاصل ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية ، وقد قرّره المحقّق النائيني رحمهالله ببيان أوفى وهو « إنّ مرتبة مانعية المانع متأخّرة عن وجود المقتضي وعن وجود جميع الشرائط ، بمعنى أنّ الرطوبة مثلاً لا يمكن أن يقال : أنّها مانعة عن احتراق الجسم إلاّبعد وجود النار ومماسّتها مع الجسم القابل للاحتراق ، نعم يمكن أن يكون وجود الرطوبة في الجسم القابل للاحتراق قبل وجود النار وقبل مماسّتها لذلك الجسم ولكن اتّصافها بصفة المانعية وفعلية هذه الصفة فيها لا يمكن إلاّبعد وجود المقتضي للاحراق وجميع شرائطه ، وعلى هذا الأساس ينكر إمكان كون شيء شرطاً لشيء ، ضدّه مانعاً عنه لأنّ مانعية الضدّ لا تتحقّق إلاّبعد وجود الشرط الذيي هو عبارة عن الضدّ الآخر ، وبعد وجود ذلك الضدّ الذي هو شرط يمتنع وجود هذا الآخر الذي يدّعي أنّه مانع ، وإلاّ يلزم اجتماع الضدّين ، ومع امتناع وجوده كيف يمكن أن يكون مانعاً؟ ... ( إلى أن قال ) : إذا تقرّر ذلك. فنقول : توقّف وجود الإزالة على عدم الصّلاة ـ مثلاً ـ لا بدّ وأن يكون من جهة عدم المانع ، أي حيث إنّ وجود الصّلاة مانع عن وجود الإزالة ، وعدم المانع من أجزاء علّة الشيء ، والعلّة لا بدّ وأن توجد بجميع أجزائها وخصوصّياتها حتّى يوجد المعلول ومن جملتها عدم المانع ، وقد تبيّن أنّ كون الصّلاة مانعة عن وجود الإزالة لا يمكن إلاّبعد وجود المقتضي للازالة ووجود جميع شرائطها ، وقد عرفت ممّا تقدّم أنّه إذا وجد المقتضي للازالة لا يمكن أن يوجد المقتضي للصّلاة أصلاً لما ذكرنا من عدم إمكان اجتماع المقتضين للضدّين في عالم الوجود ، ففي هذا الفرض ( أي فرض وجود المقتضي للازالة ) لا بدّ وأن تكون الصّلاة معدومة لعدم وجود المقتضي لها ومع انعدامها كيف تكون مانعة عن وجود الإزالة؟ » (١).
هذا هو الجواب الأوّل عن الوجه الأوّل وهو تامّ في محلّه.
الجواب الثاني : أنّ مقدّميّة عدم أحد الضدّين يستلزم الدور ، لأنّه بناءً على المقدّميّة يكون
__________________
(١) راجع منتهى الاصول : ج ١ ، ص ٣٠٨ ، للمحقّق البجنوردي رحمهالله.