الأمر بالأهمّ ، ولكنّها موجودة بينهما في مرحلة الأمر بالمهمّ ، بداهة أنّ فعليّة الأمر بالأهمّ باقية على قوّتها ولا تسقط بإرادة العصيان.
إن قلت : الأمر بالأهمّ وإن كان فعليّاً بعد ، ولكن لا يمنع عن الأمر بالمهمّ إذا كان ترك الأهمّ ناشئاً عن سوء اختيار المكلّف كما في ما نحن فيه ، فهو بسوء اختياره أوجب الجمع بين الأمر بالضدّين.
قلنا : الجمع بين الضدّين محال ولا يمكن صدور الأمر به من جانب المولى الحكيم ، ولا فرق فيه بين سوء اختيار المكلّف وحسن اختياره كما لا يخفى.
إن قلت : إنّ المزاحمة والمضادّة موجودة بين الأمرين المتعلّقين بضدّين إذا كانا في عرض واحد لا ما إذا كان أحدهما في طول الآخر ، لأنّ الأمر بالمهمّ حينئذٍ يكون متوقّفاً على إرادة عصيان الأمر بالأهمّ.
قلنا : المفروض أنّ كلّ واحد من الأمر بالأهمّ والأمر بالمهمّ فعلي حتّى بعد إرادة عصيان الأهمّ ، ومعه كيف ترتفع المضادّة؟ وبعبارة اخرى : المزاحمة والمطاردة وإن لم تكن موجودة في مرتبة المهمّ ، بالنسبة إلى الأهمّ ولكنّها موجودة من جانب الأهمّ بالنسبة إلى المهمّ والمزاحمة من جانب واحد أيضاً محال.
واجيب عن الوجه الثاني بتوجيه الأمر بالمهمّ بأمرين :
الأمر الأوّل : أنّ المولى قطع نظره ورفع يده عن الأمر بالأهمّ بعد عصيان العبد وبدّله بالأمر المهمّ.
الأمر الثاني : أنّ أمر المولى بالمهمّ ليس مولويّاً بل إنّه إرشاد إلى بقاء محبوبيته وملاكه.
ولكن الإنصاف عدم تماميّة الجواب في كلا الوجهين ، أمّا الأوّل فلأنّ المستحيل إنّما هو الجمع بين الأهمّ والمهمّ في مقام الامتثال لا في مقام الإنشاء ، وفي ما نحن فيه لم يجمع المولى بين طلب الأهمّ وطلب المهمّ في مقام الامتثال.
توضيح ذلك : أنّ للحكم مراتب أربعة :
١ ـ مرتبة المصلحة والاستعداد والاقتضاء.
٢ ـ مرحلة الإنشاء من قبيل تصويب القانون في مجالس التقنين في يومنا هذا.
٣ ـ مرحلة الفعليّة والابلاغ وهي مرحلة التنجيز أيضاً.