وبخطاب واحد ، وهذا نظير ما إذا قال البائع : « بعت هذه المائة » الذي لا إشكال في انحلاله إلى مائة تمليك ، ولذلك لو كان بعضها ملكاً لغير البائع صار البيع باطلاً أو فضولياً بالنسبة إليه مع بقائه على صحّته بالإضافة إلى غيره ، وليس هذا إلاّمن باب تعدّد المنشأ وإن كان الخطاب والإنشاء واحداً.
الموقع الثاني : فيما أفاده في المقدّمة الرابعة بالإضافة إلى مرتبة الإنشاء والفعليّة من الحكم ، فإنّه لا إشكال في أنّ الفارق بين الإنشاء والفعليّة إنّما هو وجود البعث أو الزجر في مرحلة الفعليّة وعدم وجودهما في مرحلة الإنشاء ، فشمول مرحلة الفعليّة للجاهل والعاجز لازمه توجّه البعث أو الزجر إليهما مع أنّ من شرائط البعث أو الزجر الانبعاث أو الانزجار ، ولا إشكال في عدم انبعاثهما وعدم انزجارهما ، ولذلك في مقام الجمع بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري نقول : إذا كان الحكم الواقعي مخالفاً للظاهري صار إنشائيّاً لأنّه حينئذٍ يكون مجهولاً للمكلّف ، والجاهل لا يمكن بعثه أو زجره ، فلا يمكن أن يكون الحكم المجهول فعليّاً بالنسبة إليه.
الموقع الثالث : فيما أفاده في المقدّمة السادسه من « أنّ الأحكام الشرعيّة غير مقيّدة بالقدرة لا شرعاً ولا عقلاً وإنّما يكون العاجز معذوراً بحكم العقل » فإنّه كيف يمكن للحكيم أن يوجّه حكمه إلى العاجز على نحو الإطلاق مع إلتفاته بعجزه؟ أليس هذا تكليفاً بما لا يطاق ومخالفاً لما ورد من الآيات والرّوايات في هذا المقام كقوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها ) وكقول الصادق عليهالسلام : « الله أكرم من أن يكلّف ما لا يطيقون ، والله أعزّ أن يكون في سلطانه ما لا يريد » (١)؟ وبالجملة إنّ القدرة من الشرائط العامّة للتكليف ويدلّ عليه :
أوّلاً : إنّ الإطلاق وعدم التقييد بالقدرة من جانب الحكيم قبيح عقلاً فإنّ الإطلاق وإن لم يكن بمعنى جمع القيود ، ولكن تعلّق الحكم بطبيعة المتعلّق وتوجّه البعث إليها بحيث تكون هي تمام المطلوب للمولى الحكيم من دون ملاحظة القدرة والعجز قبيح عليه ، وبعبارة اخرى : لا إهمال في مقام الثبوت ، فإمّا أنّ المولى لاحظ القدرة ثبوتاً أو لم يلاحظ ، لا إشكال في ملاحظته إيّاها ولكن ترك ذكرها في الخطاب من باب الوضوح وعدم الحاجة إلى البيان عقلاً.
__________________
(١) اصول الكافي : ج ١ ، ص ١٦٠.