وثانياً : الآيات والرّوايات الواردة في هذا المجال ، فمن الآيات مضافاً إلى ما مرّ آنفاً قوله تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) وقوله : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) وقوله : ( فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ) ، ومن الرّوايات أيضاً مضافاً إلى ما مرّ آنفاً ما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله : « إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ». هذا بالنسبة إلى الحكم الفعلي ، وأمّا بالنسبة إلى الحكم الإنشائي فيمكن أن يقال بعدم كونه مقيّداً بالقدرة ، وكذا الكلام بالنسبة إلى العلم فإنّه من شرائط الوجوب بالنسبة إلى مقام الفعليّة وإن كان الحكم الإنشائي مطلقاً من هذه الجهة شاملاً للعالم والجاهل ، فراجع ما ذكروه في باب الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري تجده شاهداً على هذا المعنى.
الموقع الرابع : في استشهاده لعدم أخذ القدرة قيداً في الحكم بجريان البراءة عند الشكّ فيها ـ فإنّه قد اجيب عنه في محلّه من أنّه وإن كانت القاعدة عند الشكّ في التكليف البراءة ، ولكن العقلاء يجرون الاحتياط في خصوص الشكّ في القدرة من دون لزوم قبح العقاب بلا بيان ، لأنّ جريان البراءة في موارد الشكّ في القدرة يستلزم تعطيل أغراض المولى وعدم الحصول عليها في كثير من الموارد ، ومن هذا الباب الاحتياط ولزوم الفحص لتشخيص النصاب وحصول الاستطاعة وموضوع الخمس ، وبالجملة إنّ بناء العقلاء مبنيّ على جريان الاحتياط عند الشكّ في القدرة ، نظير جريانه في الشبهات قبل الفحص ، فوجوب الاحتياط في هذه الموارد مستند إلى قاعدة عقلائيّة لا إلى عدم أخذ القدرة في المأمور به.
الموقع الخامس : فيما أفاده في المقدّمة السابعة من « أنّ المحال هو طلب الجمع بين الضدّين لا الأمر بالضدّين » ففيه : إذا كان الأمر أنّ المتعلّقان بالضدّين مطلقين ولم يكن أحدهما مشروطاً بترك الآخر كان لازمه طلب الجمع كما إذا قال المولى لعبده : « انقذ هذا وانقذ هذا » لأنّ المفروض أنّ لكلّ واحد منهما بعثاً يخصّه ، والجمع بين البعثين في آنٍ واحد محال.
الموقع السادس : فيما أفاده في آخر كلامه من « حكم العقل بالتخيير في صورة تساوي متعلّقي التكليفين في المصلحة ، وأمّا إذا كان أحدهما أهمّ فإن اشتغل بإتيان الأهمّ فهو معذور في ترك المهمّ وإن اشتغل بالمهمّ فقد أتى بالمأمور به الفعلي لكن لا يكون معذوراً في ترك الأهمّ » فهو حقّ ولكن لا يكون الترتّب إلاّهذا ، فإنّ عدم عقابه بترك المهمّ عند الاشتغال بالأهمّ مع عقابه في صورة العكس يكون من آثار الترتّب ، بل عند التحليل لا يكون إلاّ الأمر بشيئين على سبيل الترتّب.