وإن شئت قلت : كيف يكون الأمر بالمهمّ فعليّاً مع أنّه معذور في تركه عند الاشتغال بالأهمّ؟ أليس هذا معنى كونه إنشائيّاً كما هو المختار؟ وهل يمكن البعث الفعلي نحو المهمّ مع وجود البعث الفعلي نحو الأهمّ مع عجز المكلّف عن الإتيان بهما؟ وتسميته بعثاً فعليّاً بالنسبة إلى العاجز لكون الخطاب شاملاً للقادر أيضاً من قبيل التلاعب بالألفاظ.
الموقع السابع : أنّ ما أفاده بعد هذا الكلام الطويل لا يتفاوت في النتيجة مع مقالة المشهور في الترتّب ، وحاصله كونه مطيعاً غير عاصٍ عند الإتيان بالأهمّ مع كونه مطيعاً عاصياً عند الإتيان بالمهمّ ، هذا مع إمكان قصد الأمر عند الإتيان بالمهمّ وصحّته إذا كان عبادة ، والباقي مناقشات لفظيّة ، اللهمّ إلاّ أن يكون مراده أنّ هذا حكم العقل بينما مقالة المشهور بحسب مقام الإثبات ناظر إلى حكم الشرع ، والإنصاف أنّه أيضاً قليل الجدوى مع قبول الملازمة بين الحكمين.
بقي هنا امور :
الأمر الأوّل : قد أشرنا سابقاً أنّ ما ذكرنا إلى هنا بالنسبة إلى جواز الترتّب إنّما هو بحسب مقام الثبوت ، وأمّا مقام الإثبات فهل يوجد دليل على وقوع الترتّب في الشرع أم لا؟ ـ الجواب عنه كما عرفت أنّه لا حاجة إلى دليل في مقام الإثبات بل يكفي إمكانه العقلي ثبوتاً لإثبات وقوعه إثباتاً ، لأنّه إذا كان للشارع أمران مطلقان أحدهما بالإزالة مثلاً ، والآخر بالصّلاة ـ لا إشكال في أنّ لازم بقائهما على إطلاقهما في صورة التزاحم طلب المحال ، فلابدّ من تقييد أحدهما لرفع هذا المحذور ، وحيث إنّ المفروض أنّ أحدهما أهمّ من الآخر لفوريته فلا يمكن تقييده ، فيتعيّن تقييد المهمّ وهو الصّلاة في المثال بعصيان الأهمّ ، ونتيجته بقاء الأهمّ على إطلاقه وتقييد المهمّ بعصيان الأهمّ ، ولا دليل على رفع اليد من الدليلين بأكثر من هذا المقدار ، لأنّ الضرورات تتقدّر بقدرها ، وليس المقصود من الترتّب إلاّهذا ، فظهر من هذا البيان أنّ اللابدّية العقليّة كافية لإثبات الترتّب في مقام الإثبات أيضاً.
الأمر الثاني : قد مرّ في مقام نقل كلام تهذيب الاصول ونقده اعتبار القدرة في صحّة التكليف عقلاً وشرعاً من طريقين :