ويمكن أن يقال : إنّ الشرط هنا مقارن لو كان الأمر بالمهم مشروطاً بإرادة عصيان الأهمّ ، ومتأخّر لو كان مشروطاً بنفس عصيان الأهمّ في الخارج.
الأمر الخامس : ممّا أُورد على القول بجواز الترتّب ما ذكره المحقّق الخراساني رحمهالله بقوله : « ثمّ إنّه لا أظنّ أن يلتزم القائل بالترتّب بما هو لازمه من الاستحقاق في صورة مخالفة الأمرين لعقوبتين ضرورة قبح العقاب على ما لا يقدر عليه العبد ، ولذا كان سيّدنا الاستاذ رحمهالله لا يلتزم به على ما ببالي وكنّا نورد به على الترتّب ».
وتوضيح ما أفاده : أنّه بناءً على جواز الترتّب لا إشكال في تعدّد الأمر ، واقتضاء كلّ واحد منهما عقاباً على تركه على تقدير تركهما فيتعدّد العقاب ، مع أنّ لازمه هو العقاب على أمر غير مقدور لأنّ المفروض أنّ المكلّف كان قادراً على الإتيان بأحد الضدّين فقط.
وقال في المحاضرات ما حاصله : أنّا نلتزم بتعدّد العقاب بل لا مناصّ منه لأنّ المستحيل إنّما هو كون العقاب على ترك الجمع بين الواجبين ( الأهمّ والمهم ) لا كونه على الجمع في الترك ، بمعنى أنّه يعاقب على ترك كلّ منهما في حال ترك الآخر ، والجمع بين تركي الأهمّ والمهمّ خارجاً مقدور للمكلّف فلا يكون العقاب عليه عقاباً على غير مقدور (١).
أقول : إنّ ما ذكره أشبه شيء بالسفسطة ، لأنّ المفروض جواز الترتّب في مثل إنقاذ الغريق الذي لا يكون قادراً على الجمع بين الضدّين حتّى على نحو الترتّب بل يكون قادراً على أحدهما فقط مطلقاً ، فيكون العقاب على كليهما عقاباً على أمر غير مقدور ، فليكن العقاب واحداً.
إن قلت : كيف يكون العقاب واحداً مع أنّ الأمر متعدّد؟
قلنا : إنّ الأمر متعدّد ولكن على نحو الترتّب فيكون المطلوب على كلّ تقدير شيء واحد ، فيكون العقاب واحداً ولكنّه يعاقب بمقدار العقاب المترتّب على ترك الأهمّ بناءً على ترك كليهما ، وبمقدار ما به التفاوت بين عقاب الأهمّ وعقاب المهمّ بناءً على ترك الأهمّ وإتيان المهمّ.
وإن شئت قلت : المولى لا يريد كليهما معاً ، فكيف يعاقب على تركهما معاً؟ والظاهر أنّ منشأ الاشتباه هو عدم التوجّه إلى الفرق بين الأوامر المطلقة والمترتّبة.
__________________
(١) راجع المحاضرات : ج ٣ ، ص ١٤٢.