وهكذا إذا أتى بالصّلاة في مكان حارّ في فصل الشتاء.
إذا عرفت ذلك فنقول : ذهب المحقّقون إلى أنّ الأوامر متعلّقة بالطبائع واستدلّوا له بوجوه :
الوجه الأوّل : الوجدان كما صرّح به في الكفاية بقوله : « وفي مراجعة الوجدان غنىً وكفاية عن إقامة البرهان على ذلك حيث يرى إذا راجعه أنّه لا غرض له في مطلوباته إلاّنفس الطبائع ولا نظر له إلاّ إليها من دون نظر إلى خصوصّياتها الخارجيّة وعوارضها العينية بحيث لو كان الانفكاك عنها بأسرها ممكناً لما كان ذلك ممّا يضرّ بالمقصود أصلاً ».
الوجه الثاني : أنّ الطلب سعة وضيقاً تابع للغرض فيدخل فيه ما يكون دخيلاً في الغرض ، ولا ريب أنّ الغرض قائم بطبيعة الصّلاة مثلاً فحسب لا خصوصّياتها الزمانيّة أو المكانيّة.
نعم لا يخفى أنّ هذا الوجه في الواقع تصوير برهاني لدليل الوجدان ولا يكون دليلاً مستقلاً عنه.
الوجه الثالث : التبادر فإنّ المتبادر من الأوامر والنواهي إنّما هو طلب إيجاد الطبيعة أو تركها فقط ، وهذا كافٍ في إثبات المقصود.
واستدلّ لتعلّقها بالافراد بوجهين :
أحدهما : إنّ الموجود في الخارج هو الفرد لا الطبيعة ، وحينئذٍ يكون تعلّق الأمر بالطبيعة بلحاظ أنّها مرآة إلى الخارج لا بلحاظ نفسها ، وينتقل الأمر من طريق الطبيعة إلى الأفراد ، وهو المقصود.
ولكن اجيب عنه : بأنّ هذا مبني على عدم وجود الكلّي الطبيعي في الخارج مع أنّه قد قرّر في محلّه أنّ الطبيعي موجود في الخارج ضمن أفراده ، فيكون وجود الطبيعة متعلّقاً للأمر دون ضمائمه.
ثانيهما : إنّ المتلازمين في الوجود لا يختلفان في الحكم ، وحيث إنّ اللوازم الخارجيّة والخصوصيّات الفرديّة تكون من لوازم الوجود في الخارج فيسري الحكم إليها.
والجواب عنه ما مرّ في بعض الأبحاث السابقة من أنّ غاية ما يقتضيه التلازم إنّما هو عدم اختلاف المتلازمين في الحكم بأن يكون أحدهما محكوماً بالوجوب والآخر محكوماً بالحرمة مثلاً لا اتّحادهما في الحكم أيضاً فإنّه لا دليل عليه البتة.