ففيه : أنّ الوجدان حاكم على أنّ للوجوب نحواً واحداً لا أنحاء مختلفة لأنّه بمعنى البعث تشريعاً كالبعث التكويني ، ولا إشكال في أنّ البعث التكويني لا يتصوّر له أنحاء مختلفة ، إنّما الفرق في المتعلّق ، فإنّ المتعلّق في الواجب التعييني هو أحدهما المعيّن وفي الواجب التخييري أحدهما اللامعيّن.
وأمّا القول السادس : وهو أن يكون الواجب ما يختاره المكلّف وما يكون معيّناً عند الله تعالى ـ ففيه أنّه أسوأ حالاً من سائر الأقوال ، ولذلك قد تبرّأ منه كلّ من الأشاعرة والمعتزلة ونسبه إلى صاحبه ، وذلك لأنّ مقام الامتثال واختيار المكلّف وانبعاثه متأخّر رتبة عن مقام البعث والإيجاب ، فكيف يتقدّم عليه ويكون جزءً لموضوعه؟
هذا ـ مضافاً إلى أنّ لازمه كون إرادة الله تابعة لإرادة المكلّف واختياره ـ تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
وأمّا القول السابع : وهو تفصيل المحقّق الخراساني رحمهالله فقد ظهر الجواب عنه ممّا مرّ في الجواب عن القول الخامس ، لأنّ لازمه أيضاً أن يكون للوجوب أنحاء مختلفة ، حيث إنّ الواجب عنده ـ فيما إذا كان لكلّ واحد من الطرفين غرض على حدة لا يقوم أحدهما مقام الآخر ـ هو كلّ واحد من الطرفين بنحو من الوجوب ، ولازمه أن يكون للواجب التخييري نحو من الوجوب غير الوجوب التعييني.
هذا ـ مضافاً إلى وقوع الخلط في كلامه رحمهالله بين التخيير العقلي والتخيير الشرعي ، فإنّ محلّ الكلام في المقام إنّما هو تبيين حقيقة التخيير الشرعي ، أي ما إذا كان متعلّق الخطاب أحد الشيئين أو أحد الأشياء كما صرّح به في صدر كلامه ، فجعل المقسم في تقسيمه وتفصيله ما « إذا تعلّق الأمر بأحد الشيئين أو الأشياء » مع أن متعلّق الأمر في التخيير العقلي شيء واحد ، وهو القدر الجامع الحقيقي بين الأطراف.
هذا كلّه بالنسبة إلى مقام الثبوت.
وأمّا مقام الإثبات : فلا إشكال أيضاً في أنّ المتعلّق إنّما هو عنوان « أحدهما » أو « أحدها » في موارد العطف بكلمة « أو » لأنّ المتبادر عرفاً من هذه الكلمة أنّ الخصوصيّات الفرديّة لا دخل لها في الحكم وأنّ الحكم تعلّق بأحد الشيئين أو أحد الأشياء ، نظير ما ورد في قوله تعالى في باب الكفّارات : ( فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ