الوجه الثالث منها وهو أن يتعلّق الخطاب بالقدر الجامع الحقيقي لعدم تصوّره بالنسبة إلى المكلّفين ، فإنّ المكلّف يكون آحادهم لا الجامع الكلّي.
وكيف كان لا بدّ من طرح البحث هنا أيضاً في مقامين : مقام الثبوت ومقام الإثبات :
أمّا مقام الثبوت : فيأتي فيه مثل ما مرّ في الواجب التخييري ، وهو أنّ المصالح التي تترتّب على الأشياء خارجاً على أنحاء مختلفة ، فقسم منها لا يحصل إلاّباجتماع جميع الأيادي كحمل جسم ثقيل مثلاً من مكان إلى مكان آخر ، وقسم منها تكون المصالح فيه متعدّدة يحصل كلّ واحدة منها بيد فرد واحد من الأفراد سواء كانت المصالح متّحدة في النوع أو مختلفة ، وقسم ثالث منها تكون المصلحة فيه واحدة ويكفي في تحصيله قيام فرد واحد كفتح الباب مثلاً ، وهنا قسم رابع وإن قلّ مصداقه في الخارج ، وهو ما إذا كانت المصلحة متعدّدة ولكن لا يمكن الجمع بينها ، إمّا لعدم قدرة المكلّفين على الجمع وإن لم يكن بينها تباين في حدّ ذاتها كما إذا كان للمولى مشاوران ، أحدهما مشاور لأمر الدين ، والآخر مشاور لأمر الدنيا ، ولكن قد ثبت له بالتجربة وقوع المنازعة بينهما وعدم قدرتها على ايفاء المصلحتين معاً ، أو لكون المصلحتين مثلاً متباينين في حدّ ذاتهما.
هذه أقسام أربعة للأشياء من حيث المصلحة الموجودة فيها.
لا إشكال في أنّ الوجوب يكون على نهج العام المجموعي بناءً على القسم الأوّل ، وعلى نهج العام الافرادي بناءً على القسم الثاني مع كونه وجوباً عينياً في كليهما كما لا يخفى ، كما لا إشكال في كون الوجوب في القسم الثالث والقسم الرابع كفائيّاً وإنّ متعلّقه إنّما هو عنوان أحد المكلّفين بما أنّه مشير إلى الخارج.
وبعبارة اخرى : يكون متعلّق الوجوب فيهما صدور الفعل من صرف وجود المكلّف كما في الواجب التخييري ( حيث إنّ متعلّق الوجوب فيه أيضاً كان صرف وجود الطبيعة المأمور بها ) بينما كان المتعلّق في القسمين الأوّلين صدور الفعل من مطلق وجود المكلّف ، ولا يمكن أن يقال : إنّ متعلّق الوجوب فيهما ( أي في الواجب الكفائي في القسمين الأخيرين ) جميع المكلّفين ولكن على نحو من الوجوب غير الوجوب العيني ، لأنّ الوجوب عبارة عن البعث إنشاءً كالبعث التكويني ويكون له سنخ واحد ، ولا يعقل أن يكون له أنحاء مختلفة كما مرّ في الواجب التخييري ، وهكذا بالنسبة إلى سائر الوجوه المتصوّرة في المسألة. هذا كلّه بالنسبة إلى مقام الثبوت.