وأمّا مقام الإثبات : فالإنصاف أنّ القرائن الموجودة في الواجبات الكفائيّة الواردة في لسان الشارع ومناسبات الحكم والموضوع فيها ترشدنا إلى أنّ المكلّف فيها ليس جميع المكلّفين بل إنّما هو عنوان أحد المكلّفين أو عنوان بعض المكلّفين أو طائفة منهم نظير ما ورد في قوله تعالى : ( السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) ، وقوله تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ) فإنّ مقتضى مناسبة الحكم والموضوع أنّ متعلّق خطاب « اقطعوا » و « اجلدوا » بعض المكلّفين لا جميعهم ، كما أنّ القرينة الخارجيّة تدلّنا على أنّ متعلّق خطاب « كونوا » في قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ ) إنّما هو بعض المكلّفين لأنّا نعلم من الخارج بكفاية شاهدين من المؤمنين لإقامة الشهادة ، كما أنّه مقتضى كلمة « أو » أو كلمة « أحدكما » أو كلمة « أحدهم » في بعض الخطابات ، كما إذا قال المولى لعبده « أنت أو أخوك يفعل ذلك » ومقتضى كلمة « طائفة » في مثل آية النفر وقوله تعالى : ( وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )(١) وقوله تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )(٢) وهكذا قوله تعالى : ( فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ ). (٣)
وبالجملة : إنّ مثل كلمة « طائفة » أو « امّة » بضمّ كلمة « من » التبعيضيّة ( طائفة منكم ) قرينة حتمية على أنّ المتعلّق في الواجبات الكفاية ليس جميع المكلّفين بل المتعلّق إنّما هو عنوان بعض المكلّفين المشير إلى الخارج.
ويظهر ممّا ذكرنا كلّه ضعف سائر الوجوه أو الأقوال لا سيّما مع ملاحظة ما مرّ في الواجب التخييري.
بقي هنا امور
الأمر الأوّل : مسألة تعدّد العقاب ووحدته ، فهل يعاقب جميع المكلّفين فيما إذا خالف الجميع ، أو يعاقب بعضهم فقط؟
__________________
(١) سورة النور : الآية ٢.
(٢) سورة آل عمران : الآية ١٠٤.
(٣) سورة هود : الآية ١١٦.