الواسطة ، واخرى يكون وصول أمر المولى من ناحية أمر الواسطة تمام الموضوع في الوجوب ، فأراد المولى مثلاً توقيره وتعظيمه وإثبات رفعة شأنه عنده ، فلا إشكال أيضاً في عدم وجوب الامتثال على العبد ما لم يصل الأمر من جانب الواسطة ، وثالثة يكون وصول الأمر من ناحية أمر الواسطة جزء للموضوع كما هو الغالب في الأوامر الاداريّة والفرامين القانونيّة العقلائيّة ، فلابدّ لوجوب امتثالها من إبلاغها بطريق خاصّ فلا يجب الامتثال إلاّ إذا بلغ الحكم من ذلك الطريق.
الثاني في مقام الإثبات : فالذي يستظهر من الآيات والرّوايات هو القسم الأوّل فيكون الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله في الآيات المذكورة في أوّل البحث مجرّد مبلّغ لايصال الأوامر الإلهيّة إلى العباد ، بل هو المتبادر من نفس كلمة « الرسول » كما لا يخفى ، وحينئذٍ يجب على العباد الإطاعة وامتثال الأوامر الشرعيّة وإن لم تصل إليهم من جانب شخص الرسول بل وصلت إليهم من طرق اخرى.
ثمّ إنّ بعض الأعلام جعل ثمرة هذا النزاع شرعيّة عبادة الصبي وقال : « إنّ الثمرة المترتّبة على هذا النزاع هي شرعيّة عبادة الصبي بمجرّد ما ورد في الرّوايات من قوله عليهالسلام « مروهم بالصّلاة وهم أبناء سبع سنين » ، فإنّه بناءً على ما ذكرناه من أنّ الأمر بالأمر بشيء ظاهر عرفاً في كونه أمراً بذلك الشيء تدلّ تلك الرّوايات على شرعيّة عبادة الصبي لفرض عدم قصور فيها لا من حيث الدلالة كما عرفت ، ولا من حيث السند لفرض أنّ فيها روايات معتبرة ».
ثمّ قال : « قد يقال كما قيل (١) أنّه يمكن إثبات شرعيّة عبادة الصبي بعموم أدلّة التشريع كقوله تعالى : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) وقوله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) وما شاكلهما ببيان أنّ تلك الأدلّة بإطلاقها تعمّ البالغ وغيره ... وحديث « رفع القلم عن الصبي حتّى يحتلم » لا يقتضي أزيد من رفع الإلزام ... لا أصل المحبوبيّة عنها ، ثمّ أجاب عنه بأنّ الوجوب أمر بسيط لا تركيب فيه أصلاً ، لأنّه عبارة عن اعتبار المولى الفعل على ذمّة المكلّف وإبرازه في الخارج بمبرز من لفظ أو نحوه ، وحديث الرفع يكون رافعاً لهذا لاعتبار ، فيدلّ على أنّ الشارع لم يعتبر فعلاً كالصّلاة والصّوم وما شاكلهما على ذمّة الصبي » ( انتهى ملخّصاً ) (٢).
__________________
(١) ولعلّ القائل به هو السيّد الحكيم رحمهالله فراجع مستمسكه : ج ٨ كتاب الصّوم باب من يصحّ منه الصّوم.
(٢) راجع المحاضرات : ج ٤ ، ص ٧٦ ـ ٧٧.