الجبر في جانب الوجود وهذا خلف ، وأمّا كون العدم خارجاً عن تحت الاختيار من الأزل فهو لا ينافي اختياريته من حيث البقاء والاستمرار.
نعم بقي هنا شيء وهو أنّه من البعيد جدّاً أن يكون مراد القائلين بالكفّ الكفّ الفعلي فإنّه يستلزم حصول وسوسة وتزلزل نفساني بالنسبه إلى إتيان العمل المنهي عنه حتّى يتحقّق كفّ النفس عنه خارجاً ، مع أنّه ممّا لا يتفوّه به أحد ، بل المراد منه الكفّ التقديري وبالقوّة ، ولا إشكال في أنّه يرجع حينئذٍ إلى المعنى الأوّل للترك أعني « أن لا يفعل » فيصير النزاع لفظيّاً.
وهيهنا نكتة اخرى : أنّ هذا البحث يجري بعينه أيضاً بالنسبة إلى المذهب المختار ، أي كون النهي بمعنى الزجر عن الفعل حيث إنّه لا بدّ من أن يبحث في أنّه هل المراد من الزجر الزجر بالفعل أو الزجر التقديري وبالقوّة ، لا إشكال في أنّ المراد منه أيضاً هو الزجر بالقوّة ، لأنّه لا معنى للزجر الفعلي بالنسبة إلى من يكون منزجراً بنفسه.
ثمّ إنّ هيهنا بحثاً آخر معروفاً ، وهو أنّه كيف يدلّ النهي على وجوب ترك جميع الأفراد العرضيّة مع كفاية تحقّق صرف الوجود للامتثال في الأمر؟ فما هو منشأ هذا الفرق؟
ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله وكثير من المتقدّمين إلى أنّه حكم العقل بلحاظ خصوصيّة في الأمر الوجودي والأمر العدمي ، وإليك نصّ كلام المحقّق الخراساني رحمهالله : « ثمّ إنّه لا دلالة لصيغته ( صيغة النهي ) على الدوام والتكرار كما لا دلالة لصيغة الأمر وإن كان قضيّتهما عقلاً تختلف ...
( إلى أن قال ) ضرورة أنّ وجودها يكون بوجود فرد واحد وعدمها لا يكاد يكون إلاّبعدم الجميع » ( انتهى ).
لكن الإنصاف أنّه في غير محلّه ، لأنّ الوجود والعدم متقابلان تقابل النقيضين وأنّ أحدهما بديل للآخر ولازمه ، أن يحصل العدم بفرد واحد كما يحصل الوجود بفرد واحد.
وبعبارة اخرى : كما أنّ وجود الطبيعي يكون بوجود أفراده فيتعدّد وجوده بتعدّد أفراده ، كذلك عدم الطبيعي ينعدم بتعداد اعدام أفراده ، فإنّ العدم يتصوّر بتعداد وجودات الأفراد ويكون بإزاء كلّ وجود عدم خاصّ.
فالصحيح أن يقال : إنّ المنشأ لهذا التفاوت يتلخّص في أمرين :
الأمر الأوّل : اختلاف طبيعة المصلحة وطبيعة المفسدة اللتين هما الغايتان الأصليتان في البعث والزجر ، فإنّ المصلحة بمقتضى طبيعتها وذاتها تحصل بصرف الوجود ، أي تحصل الغاية