المقدمة الثانية : أنّ متعلّق الأحكام هو فعل المكلّف الخارجي لا ما هو اسمه وعنوانه لأنّ الأحكام إنّما تتعلّق بحقيقة الشيء وواقعه وما يترتّب عليه الخواص والآثار ، والاسم والعنوان إنّما يؤخذ في لسان الدليل لأجل الإشارة بهما إلى المسمّى والمعنون.
المقدمة الثالثة : أنّ تعدّد العنوان لا يوجب تعدّد المعنون ولا تنثلم وحدة المعنون ، بتعدّد العنوان والشاهد على ذلك صدق الصفات المتعدّدة على الواجب تبارك وتعالى مثل كونه حيّاً عالماً قادراً إلى غير ذلك من الصفات مع أنّه واحد أحد بسيط من جميع الجهات ، فإذا كانت الصفات المتعدّدة تصدق على الواحد البسيط من جميع الجهات ولا ينافي ذلك وحدته وعدم تعدّده ، فكذلك تصدق على غيره ممّا ليس كذلك بطريق أولى.
المقدمة الرابعة : أنّه لا يكاد يكون لوجود واحد إلاّماهية واحدة ويستحيل تغاير الوجود وماهيته في الوحدة والتعدّد ، فالمجمع وإن تصادق عليه متعلّقاً الأمر والنهي إلاّ أنّه كما يكون واحداً وجوداً يكون واحداً ماهية وذاتاً ، فلا فرق في امتناع الاجتماع بين القول بأصالة الوجود والقول بأصالة الماهية ، كما أنّ العنوانين المتصادقين على المجمع ليسا من قبيل الجنس والفصل كي يبتني الجواز والامتناع على تمايزهما وعدمه.
ثمّ استنتج من هذه المقدّمات امتناع الاجتماع وقال : إذا عرفت ما مهّدناه عرفت أنّ المجمع حيث كان واحداً وجوداً وذاتاً كان تعلّق الأمر والنهي به محالاً ، ثمّ أشار إلى بعض أدلّة المجوّزين ثمّ أجاب عنه ونحن نذكره هنا تحت عنوان « إن قلت ، قلت » بمزيد توضيح :
إن قلت : إنّ الأمر قد تعلّق بطبيعة الصّلاة والنهي بطبيعة الغصب ، والطبيعة بما هي هي وإن لم تكن متعلّقة للطلب ، ولكنّها بما هي مقيّدة بالوجود ( بحيث كان القيد خارجاً والتقيّد داخلاً ) تكون متعلّقة للطلب ولازمه أن لا يكون المتعلّق واحداً لا في مقام تعلّق البعث والزجر ، وذلك لتعدّد الطلبيتين بما هما متعلّقان لهما وإن إتّحدتا في ما هو خارج عن الطلب وهو الوجود ، ولا في مقام الإطاعة والعصيان وذلك لسقوط أحدهما بالاطاعة والآخر بالعصيان ، ولا إشكال في أنّ الإطاعة تحصل بطبيعة والعصيان يحصل بطبيعة اخرى ، ومعه ففي أي مقام اجتماع الحكمان في واحدِ؟
قلنا : إنّ الطبيعتين المتعلّقتين للأمر والنهي كعنواني الصّلاة والغصب إنّما يؤخذان في لسان الدليل للإشارة بهما إلى المعنون ، والمعنون هو أمر واحد لا يتعدّد بتعدّد العنوان.