الاستحبابي كما تعلّق بذات العبادة تعلّق بالتعبّد بها أيضاً كما عرفت ذلك في بحث التعبّدي والتوصّلي » (١).
أقول : من البعيد جدّاً أن يكون مراد المحقّق النائيني رحمهالله من أنّ متعلّق الأمر هو ذات العبادة واستحباب ذات العمل من دون قصد التعبّد بها بل أظنّ أنّ مراده أن المستحبّ إنّما هو الصّوم مع قصد القربة ، والمكروه هو الصّيام مع قصد التشبّه ببنيْ اميّة ( حيث إنّ التشبّه ليس حراماً بجميع أقسامه ومراتبه فتأمّل ).
نعم يمكن الجواب عنه بأنّه حيث إنّ هذين العنوانين متّحدان في الخارج فعلى الامتناع لازمه حصول الكسر والانكسار والعمل بأرجحهما ، وحيث إنّ الأرجح هو الترك كما يشهد عليه ترك الأئمّة عليهمالسلام يلزم بطلان الصّوم ، والتالي فاسد حيث إنّه لا إشكال في صحّة الصّيام فلم تنحلّ مشكلة العبادات المكروهة بناءً على الامتناع ، وبهذا تثبت صحّة استدلال القائلين بالجواز بالعبادات المكروهة.
وقال في تهذيب الاصول : « إنّ النهي وإن تعلّق بنفس الصّوم ظاهراً إلاّ أنّه متعلّق في الواقع بنفس التشبّه ببني اميّة الحاصل بنفس الصّوم من دون أن يقصد التشبّه ، فالمأمور به هو ذات الصّوم والمنهي عنه التشبّه بهم ، ولما انطبق العنوان المنهي عنه عليه وكان ترك التشبّه أهمّ من الصّوم المستحبّ نهى عنه إرشاداً إلى ترك التشبّه » (٢).
أقول : إنّ لازم كلامه حلّ مشكلة العبادات المكروهة على مذاق القائلين بالجواز فقط مع أنّ المقصود في المقام حلّها بناءً على الامتناع فإنّ المفروض صحّتها مع كراهتها.
هذا كلّه في النقض الأوّل على القائلين بالامتناع من جانب القائلين بالجواز وهو النقض بالعبادات المكروهة وقد كان دليلاً شرعيّاً على الجواز.
الأمر الثاني : وهيهنا نقض ثانٍ أو دليل ثانٍ عرفي على الجواز وهو : أنّ أهل العرف يعدّون من أتى بالمأمور به في ضمن الفرد المحرّم مطيعاً وعاصياً من وجهين ، فإذا أمر المولى عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان خاصّ ثمّ خاطه في ذلك المكان فإنّا نقطع أنّه مطيع عاصٍ لجهتي الأمر بالخياطة والنهي عن الكون في ذلك المكان.
__________________
(١) هامش أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٣٦٧.
(٢) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٣١٩ ، طبع مهر.