للمصلحة والآخر واجداً للمفسدة ( لا أنّ في تركه مصلحة ) والمصلحة الموجودة في الأوّل تكون أقوى من المفسدة الموجودة في الثاني ولا إشكال في أنّ ذا المصلحة يصير بعد الكسر والانكسار أقلّ ثواباً من سائر الأفراد ، وقد مرّ الجواب آنفاً عن إشكال ترك الأئمّة صيام عاشوراء دائماً فلا نعيده وأمّا الجواب بأنّ أصل صحّة الصّيام في يوم عاشوراء محلّ ترديد وكلام فلا يعبأ به لأنّ ظاهر الأدلّة صحّته كما حكي عن المشهور.
هذا كلّه بناءً على اعتبار ترتّب الثواب في معنى العبادة ، وأمّا بناءً على ما مرّ في مبحث التعبّدي والتوصّلي من أنّ العبادة أمر اعتباري اعتبرت للخضوع والتذلّل في مقابل المولى وليس في ذاتها وحقيقتها أن تكون مقرّبة إلى المولى وأن يترتّب عليها الثواب بل إنّها أيضاً تنقسم إلى أقسام خمسة ، فبعض أقسامها حرام كصيام يوم الاضحى ، وبعض أقسامها واجب كصيام رمضان ، وقسم ثالث منها مستحبّ كصيام شعبان ورجب ، وقسم رابع منها مكروه وهو صيام يوم عاشوراء وهكذا ـ إذا قلنا بهذا انحلّ الإشكال من الأساس لأنّه لا يترتّب على صوم عاشوراء ثواب حتّى يقال بأنّه ينافي كراهته.
بقي هنا أمران :
الأمر الأوّل : ما سلكه المحقّق النائيني رحمهالله بالنسبة إلى القسم الثالث فإنّه قال : « إنّ الإشكال في اتّصاف العبادة بالكراهة في القسم الثالث إنّما نشأ من تخيّل أنّ متعلّق الأمر والنهي هو شيء واحد مع أنّه ليس ، كذلك لوضوح أنّ متعلّق الأمر هو ذات العبادة ، وأمّا النهي التنزيهي فهو لم يتعلّق بها لعدم مفسدة في فعلها ولا مصلحة في تركها بل تعلّق بالتعبّد بهذه العبادة لما فيه من المشابهة للأعداء ، وبما أنّ النهي تنزيهي وهو متضمّن للترخيص في الإتيان بمتعلّقه جاز التعبّد بتلك العبادة بداعي امتثال الأمر المتعلّق بذاتها ... فارتفع إشكال اجتماع الضدّين في هذا القسم أيضاً » (١).
واستشكل عليه في تهذيب الاصول بامور : منها : « أنّ لازم تعلّق الأمر بذات العبادة كذات الصّوم أن يصير توصّلياً ولو بدليل آخر بل تعلّق الأمر به بقيد التعبّديّة » (٢).
كما أنّ تلميذه المحقّق رحمهالله أورد عليه أيضاً في هامش أجود التقريرات بأنّ « الأمر
__________________
(١) راجع أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٣٦٧.
(٢) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٣٢١ ، طبع مهر.