المتزاحمين يتصوّر فيما لا يكونان من قبيل ضدّين لا ثالث لهما مع أنّ صيام يوم عاشوراء من هذا القبيل لأنّه لا يكون لصوم يوم عاشوراء بدل كي يصحّ أن يقال : إنّ النهي عنه لمنقصة فيه وأنّه إرشاد إلى سائر الأفراد ممّا لا منقصة فيه وهو بدل عنه نتخيّر بينه وبين بدله عقلاً ، إذ المفروض أنّ صوم كلّ يوم مستحبّ تعييني لا تخييري من باب التزاحم ، وحينئذٍ تكون منقصة صوم عاشوراء دائماً أكثر من مصلحته ، فلا يكون قابلاً للتقرّب ويكون من قبيل المكروه المصطلح ، إذن لا بدّ فيه من جواب آخر وهو أن نقول : إنّ النهي عنه إرشاد إلى كون الصّيام في يوم عاشوراء أقلّ ثواباً من سائر الأيّام لا أنّ تركه يكون أكثر ثواباً.
إن قلت : فلماذا كان الأئمّة والأصحاب يتركونه دائماً؟
قلنا : لعلّه من باب أنّ الإنسان يترك صيام بعض أيّام السنة غالباً ولا يكون صائماً في تمام السنة ، فالأولى حينئذٍ أن يترك صيام ما يكون أقلّ ثواباً من الأيّام الاخر. ولا يخفى أنّ الإيراد المزبور يأتي بالنسبة إلى القسم الثاني والثالث أيضاً وإن لم تكن الصّلاة في الحمّام مثلاً من قبيل ضدّين لا ثالث لهما ، أي كان لها بدل لأنّ المفروض أنّ مصلحة تركها أكثر من مصلحة فعلها وحينئذٍ لا يمكن التقرّب إلى المولى بالفعل نظير ما إذا كان الربح المترتّب على ترك معاملة أكثر من الربح الذي يترتّب على فعلها ، فلا يمكن للعبد أن يتقرّب إلى مولاه بفعل تلك المعاملة.
هذا كلّه أوّلاً.
وثانياً : أنّ تبديل النهي عن الزجر عن الفعل إلى الأمر بالترك خروج عن معناه الحقيقي فإنّه قد مرّ أنّ النهي هو الزجر عن الفعل لمنقصة فيه إلاّ أنّه بمعنى الأمر بالترك لمصلحة في الترك ( والمحقّق الخراساني رحمهالله الذي ذهب إلى الجواب المزبور تكلّم هنا على مبناه في حقيقة النهي وقد مرّ عدم تماميّة مبناه ) فإنّ النهي عن صوم عاشوراء ليس من باب أنّ في تركه مصلحة بل وهي وجود منقصة فيه من باب انطباق عنوان التشبّه ببني اميّة عليه.
ثالثاً : إنّ القسم الثالث ( وهو ما إذا تعلّق النهي بعنوان آخر ) خارج في الحقيقة عن العبادات المكروهة لأنّ العبادة المكروهة ما تعلّق النهي فيها بذات العبادة لا بعنوان آخر.
وبالجملة إنّ المختار في مقام الجواب عن النقض بالعبادات المكروهة أن يقال : إنّ النهي فيها مطلقاً يكون إرشاداً إلى كون العمل أقلّ ثواباً من سائر الأفراد ولكنّه ببيان آخر ، وهو أنّه يوجد في العبادات المكروهة عنوانان انطبقا على محلّ واحد ولكن أحدهما يكون واجداً