في الحمّام إرشاداً إلى أنّ مصلحة العنوان المنطبق على تركها ( وهو إيجاد الفسحة للناس مثلاً ) أهمّ من مصلحة إتيان الصّلاة في أوّل الوقت مثلاً.
هذا ـ مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال : سلّمنا أنّ النهي فيه يكون لوجود منقصة في الفعل ولكنّها ليست بحيث تغلب على المصلحة الموجودة في العمل حتّى لا يكون صالحاً للتقرّب به إلى الله تعالى بل إنّها منقصة مغلوبة ، ومع ذلك نهى الشارع عن الفعل لكونه حينئذٍ أقلّ ثواباً من بدله الذي لا منقصة فيه ( كالصّلاة في الدار مثلاً ) ومن بدله الذي يترتّب عليه ثواباً أكثر من الثواب الذي يترتّب على نفس طبيعة الصّلاة كالصّلاة في المسجد ، فالكراهة هنا بمعنى كون العمل أقلّ ثواباً من سائر الأفراد لا بمعناه المصطلح وهو كون المنقصة أكثر من المصلحة.
وبعبارة اخرى : مصطلح الكراهة والاستحباب في باب العبادات غير مصطلحهما في غير العبادات.
فظهر أنّ النهي عن العمل أو الأمر بالترك في القسم الثاني من العبادات المكروهة إنّما هو إرشاد إلى أنّ هذا الفرد من الطبيعة أقلّ ثواباً من الأفراد الاخر وليس نهياً أو أمراً مولويّاً ، فيكون خارجاً عن محلّ البحث.
وأمّا القسم الثالث : ( وهو ما إذا تعلّق النهي بالعبادة لكن لا بذاتها بل علم أنّه لأجل عنوان يتّحد معها وجوداً ويلازمها خارجاً ) فالجواب عنه إمّا بناءً على الجواز وتعدّد متعلّقي الأمر والنهي فهو أنّه يمكن أن يكون النهي مولويّاً وكان إسناده إلى العبادة مجازيّاً ، فإنّ المكروه هو ذاك العنوان المتّحد معها أو الملازم لها دون العبادة بنفسها ، ويمكن أن يكون إرشاديّاً ، أي خالياً عن الطلب النفساني فيكون إسناده إلى العبادة حقيقيّاً قد أُنشأ بداعي الإرشاد إلى سائر الأفراد ممّا لم يبتلِ بعنوان ذي منقصة متّحد معها أو ملازم لها ، وأمّا على الامتناع فإن كان النهي لأجل عنوان يلازم العبادة خارجاً فالجواب هو عين جواب المجوّز حرفاً بحرف لتعدّد المتعلّق حينئذٍ ، وأمّا إذا كان النهي لأجل عنوان يتّحد مع العبادة وجوداً ورجّحنا جانب الأمر كما هو المفروض ( إذ لو كان الراجح جانب النهي لكانت العبادة باطلة جدّاً لا مكروهة ) فالجواب ما اجيب به في القسم الثاني أي الجواب الأخير فيه من كون النهي لمنقصة مغلوبة في الفعل وإنّما نهى الشارع عنه إرشاداً إلى سائر الأفراد ممّا لم يبتلِ بالمنقصة والحزازة أصلاً.
ولكن يرد على هذا الجواب بالنسبة إلى القسم الأوّل : أنّ باب التزاحم والمستحبّين