بسوء الاختيار كالمحبوس في دار مغصوبة ، واخرى يضطرّ إليه بسوء الاختيار كمن دخل في الدار المغصوبة باختياره واضطرّ إلى الخروج للتخلّص من الحرام ، فيقع الكلام في مقامين : ما إذا اضطرّ إلى الحرام لا بسوء الاختيار وما إذا اضطرّ إليه بسوء الاختيار.
أمّا المقام الأوّل : فذهب جماعة إلى صحّة صلاته ما لم تستلزم تصرّفاً زائداً في الغصب مثل أن يأتي بها إيماءً ، بل قال بعضهم أنّه يجب عليه إتيان الصّلاة على نفس الكيفية التي كان عليها في أوّل الدخول ، فلو كان قائماً فقائماً ولو كان جالساً فجالساً بل لا يجوز له الانتقال إلى حالة اخرى في غير الصّلاة أيضاً لما فيه من الحركة التي هي تصرّف في مال الغير بغير إذنه ، ولكن لا يبعد كون ظاهر الفقهاء جواز صلاة المختار له كما استظهره صاحب الجواهر من كلماتهم ، كما أنّه بعد نقل القول المزبور ( أي وجوب إتيان الصّلاة على نفس الكيفية الأوّليّة ) قال : « إنّه لم يتفطّن أنّه عامل هذا المظلوم المحبوس قهراً بأشدّ ما عامله الظالم بل حبسه حبساً ما حبسه أحد لأحد ، اللهمّ إلاّ أن يكون في يوم القيامة مثله ... إلى أن قال : « وقد صرّح بعض هؤلاء أنّه ليس له حركة أجفان عيونه زائداً على ما يحتاج إليه ولا حركة يده أو بعض أعضائه كذلك بل ينبغي أن تخصّ الحاجة في التي تتوقّف عليها حياته ونحوها ممّا ترجح على حرمة التصرّف في مال الغير ، وكلّ ذلك ناشٍ من عدم التأمّل في أوّل الأمر والأنفة عن الرجوع بعد ذلك ، أعاذ الله الفقه من هذه الخرافات » ( انتهى ) (١).
وعلى كلّ حال ، يرد عليه :
أوّلاً : أنّه لا فرق بين حال القيام وحال القعود ، أو حال السكون وحال الحركة مثلاً في مقدار ما يشغله من الحيّز والمكان فلا يتحيّز الإنسان حال القيام مكاناً أكثر من ما يتحيّزه حال القعود إلاّمن ناحية الطول والعرض ، وإن شئت قلت : إنّ الانتقال من حال إلى حال في المكان الغصبي لا يعدّ عرفاً تصرّفاً زائداً على أصل البقاء على الكون الأوّل.
ثانياً : أنّ لازم هذا القول سقوط الصّلاة عن الوجوب بناءً على عدم وجوب الصّلاة على فاقد الطهورين لأنّه لا إشكال في أنّ كلّ واحد من الوضوء والتيمّم يستلزم تصرّفاً زائداً بل تصرّفاً أزيد من ما يستلزمه الركوع أو السجود ولعلّه لم يقل به أحد من الفقهاء.
__________________
(١) راجع الجواهر : ج ٨ ، ص ٣٠٠.