ومن هنا يظهر لزوم التأمّل في صلاة المختار في المكان المغصوب وفتوى الفقهاء بالبطلان فيه مع أنّها أيضاً لا تستلزم تصرّفاً زائداً على أصل الكون ، وبعبارة اخرى : إن لزمت الصّلاة تصرّفاً زائداً عند العرف وجب إتيانها إيماءً حتّى في صلاة المحبوس ، وإن لم تلزم تصرّفاً زائداً فلابدّ من الفتوى بجواز إتيان الصّلاة اختياراً حتّى للمختار أيضاً بناءً على عدم كون الاستقرار على الأرض من شرائط الصّلاة أو أجزائها وكونه عبارة عن الأذكار والهيئات الخاصّة مع أنّهم أفتوا ببطلانها فتأمّل ، وتمام الكلام في الفقه.
أمّا المقام الثاني : فالبحث فيه يقع في جهتين : الاولى : في حكم الخروج في نفسه ، والثانيّة : في حكم الصّلاة حين الخروج.
أمّا الجهة الاولى : ففيها خمسة أقوال :
القول الأوّل : أنّ الخروج واجب وحرام بأمر فعلي وبنهي فعلي ، ذهب إليه أبو هاشم ، واختاره المحقّق القمّي رحمهالله.
القول الثاني : أنّ الخروج واجب فعلاً وليس بحرام فعلاً ولكن يجري فيه حكم المعصية لأجل ما تعلّق به من النهي سابقاً الساقط فعلاً ، وذهب إليه صاحب الفصول.
القول الثالث : أنّه ليس محكوماً شرعاً بحكم لا الوجوب ولا الحرمة ولكنّه واجب عقلاً ( لكونه أقلّ المحذورين ، حيث إنّ التوقّف في المكان المغصوب يستلزم تصرّفاً أكثر ) ويجري عليه حكم المعصية من باب النهي السابق الساقط.
وقد أسند المحقّق النائيني رحمهالله هذا القول إلى المحقّق الخراساني رحمهالله مع أنّه يخالف ظاهر كلامه وإليك نصّه : « الحقّ إنّه منهي عنه بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار ولا يكاد يكون مأموراً به » فإنّه صرّح بكون الخروج منهياً عنه ، وهذا ظاهر بل صريح في كونه محكوماً بالحرمة شرعاً وفعلاً لكن لا بالنهي الفعلي بل بالنهي السابق ، أي يمكن أن تعدّ مقالة المحقّق الخراساني رحمهالله وجهاً وقولاً سادساً في المسألة.
القول الرابع : أن يكون الخروج واجباً ولا يكون منهيّاً عنه ، وهو مختار شيخنا الأعظم الأنصاري رحمهالله.
القول الخامس : ما ذهب إليه في تهذيب الاصول من أنّ الخروج حرام بالنهي الفعلي وليس بواجب.