أمّا القول الأوّل : فبطلانه واضح بناءً على الامنتاع ، لأنّه تكليف بما لا يطاق ، وأمّا بناءً على الجواز فكذلك لأنّ ما نحن فيه ليس من باب اجتماع الأمر والنهي لأنّ العنوان فيه واحد ، وهو عنوان الغصب الذي تعلّق به الحرمة ، وأمّا الخروج فإنّ وجوبه ـ لو سلّم ـ يكون من باب مقدّميته للكون في خارج المكان المغصوب ، وقد مرّ في مبحث مقدّمة الواجب أنّ الواجب هو ذات المقدّمة وهو التصرّف في أرض الغير بالخروج ( في ما نحن فيه ) لا عنوانها.
أضف إلى ذلك عدم وجود مندوحة في المقام ، ومعه لا يمكن الزجر عن الغصب حين الخروج لأنّه تكليف بما لا يطاق أيضاً ، ومجرّد كون الاضطرار بسوء الاختيار لا يوجب جواز هذا التكليف من جانب الشارع.
إن قلت : إنّ الاضطرار هنا مصداق للامتناع بالاختيار الذي لا ينافي الاختيار.
قلنا : أوّلاً : إنّ قاعدة « الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار » جارية في خصوص الأفعال الاختياريّة للإنسان في مبحث الجبر والاختيار في جواب القائلين بالجبر حيث قالوا : أنّ الإنسان مجبور في أفعاله لأنّها لا تخلو من أحد أمرين : فإمّا أن تكون علّتها التامّة في الخارج متحققة ، أولاً : فإن تحقّقت يجب تحقّق الفعل المعلول ويصير الفعل واجب الوجود بالغير ، فإنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، وإذا وجب تحقّقه فلا معنى لكونه اختياريّاً لأنّ الاختيار هو حالة « إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل » ، أي حالة الإمكان والتسوية بين الفعل والترك لا الوجوب والضرورة ، وإن لم تتحقّق العلّة التامّة فلا يتحقّق الفعل وجوباً وضرورة أيضاً ، لأنّ الشيء ما لم تتحقّق علّته التامّة وما لم يصل إلى حدّ الوجوب لا يمكن تحقّقه في الخارج ، فالانسان دائماً إمّا مجبور على الفعل أو مجبور على الترك.
فإنّ القاعدة المزبورة تجري في الجواب عن هذا الاستدلال ببيان أنّ حاجة المعلول في تحقّقه في الخارج إلى تحقّق علّته التامّة لا تنافي الاختيار ، لأنّ الجزء الأخير لها إنّما هو إرادة الإنسان ، فبإرادته واختياره الفعل أو الترك يجب الفعل أو الترك ، فهذا الوجوب أو ذاك الامتناع يكون مقارناً للاختيار وبالاختيار ، وهو لا ينافي الاختيار لإمكان تركه بترك إرادته بخلاف ، ما نحن فيه لأنّ المفروض إنّه مضطرّ إليه فعلاً ولا يمكن له تركه.
ثانياً : لو سلّمنا جريانها في غير المقام المزبور إلاّ أنّه لا يجري في ما نحن فيه أيضاً ، لأنّ النهي هنا لا يمكن صدوره من جانب الشارع لأجل زجر المكلّف بل إنّه يصدر لأجل العقاب فقط ،