لأنّ النهي لأجل الزجر مع وجود الأمر بالخروج عقلاً أو شرعاً يستلزم التكليف بما لا يطاق.
وإن شئت قلت : إنّ جريان القاعدة في ما نحن فيه لا يوجب جريان النهي تكليفاً وفعلاً بل يوجب ترتّب العقاب فقط ، وكم له في الشرع من نظير ، كما إذا أراق المكلّف الماء بعد دخول الوقت فصار فاقداً للماء بسوء اختياره فإنّ سوء الاختيار فيه يوجب تحقّق المعصيه وترتّب العقاب فقط ولا يوجب أن يكون أمر الشارع وبعثه إلى الوضوء فعليّاً بعد.
ولذا قال جماعة من الأكابر : إنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً لا خطاباً وتكليفاً.
وأمّا القول الثاني : وهو ما ذهب إليه صاحب الفصول من أنّ الخروج واجب فعلاً مع جريان حكم المعصية عليه للنهي السابق الساقط ـ فهو الحقّ المختار لو كان مراده من جريان حكم المعصية وجود ملاك النهي في المتعلّق فقط ، وأمّا إذا كان المراد أن الخروج منهيّ عنه الآن بالنهي السابق ، أي أنّه مشمول للنهي السابق ويكون زمان تعلّق النهي مقدّماً على زمان متعلّقه فمضافاً إلى عدم كونه معقولاً كما سيأتي في بيان القول الثالث ، يرد عليه ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله من « أنّ تعلّق الحكمين بفعل واحد ممتنع ولو كان زمان الإيجاب مغايراً لزمان التحريم لأنّ الاعتبار في الاستحالة والإمكان إنّما هو باتّحاد زمان صدور الفعل وتعدّده لا باتّحاد زمان الإيجاب والتحريم وتعدّده من حيث أنفسهما » (١).
أمّا القول الثالث : وهو خلو الفعل من أيّ حكم شرعي فعلي بل أنّه واجب عقلاً من باب أقلّ المحذورين مع جريان العقاب لأجل النهي السابق الساقط فيحتمل أن يكون المقصود من جريان حكم النهي السابق فيه مجرّد ترتّب العقاب فقط من دون كون الفعل منهيّاً عنه الآن بالنهي ، السابق وهذا هو مختار بعض الأعلام في هامش أجود التقريرات وقد أسنده المحقّق النائيني رحمهالله إلى المحقّق الخراساني رحمهالله. ويحتمل أن يكون الفعل أيضاً منهيّاً عنه فعلاً لكن لا بالنهي الفعلي بل بالنهي السابق كما هو ظاهر ما مرّ من كلام المحقّق الخراساني رحمهالله ، ولكن لا يخفى عدم كونه معقولاً لأنّه بعد سقوط النهي السابق عن الفعليّة لا يعقل كون متعلّقه منهيّاً عنه ، فعلاً فالصحيح في هذا الوجه هو الاحتمال الأوّل.
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٣٧٤ ـ ٣٧٥.