وعلى أيّ حال : إنّ مرجع هذا القول إلى دعاوٍ ثلاثه : نفي الحرمة فعلاً لسقوط النهي فعلاً بحدوث الاضطرار ، ونفي الوجوب مقدّمة ( أي أنّ توقّف التخلّص عن الحرام على الخروج وانحصاره فيه لا يجدي في وجوبه من باب المقدّميّة ) لأنّه كان بسوء اختياره ، وجريان حكم المعصية عليه لأنّه كان منهياً عنه في السابق وقد عصاه بسوء اختياره فإنّه قبل الدخول في الأرض المغصوبة كان مكلّفاً بترك الغصب بجميع أنحائه من الدخول والخروج والبقاء جميعاً ، وقد عصى النهي بالنسبة إلى الخروج كما عصاه بالنسبة إلى الدخول فيستحقّ العقاب عليهما جميعاً.
ولكن يرد عليه : أنّ وجوبه الفعلي الشرعي ثابت بقاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع حيث لا إشكال في أنّ الخروج واجب عقلاً من باب أقلّ المحذورين ورعاية قانون الأهمّ والمهمّ ، فليكن كذلك شرعاً ، لأنّ كلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع.
إن قلت : المستفاد من قوله تعالى : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ... ) عدم كون المضطرّ عاديّاً ولا باغياً ، ولازمه اشتراط جواز الفعل المنهي عنه أو وجوبه بعدم كون الاضطرار بسوء الاختيار.
قلنا : غاية ما يستفاد من هذه الآية اشتراط ترتّب العقاب بكونه باغياً أو عاديّاً لا أكثر.
أمّا القول الرابع : وهو كون الخروج واجباً وعدم كونه حراماً فيمكن أن يستدلّ له بأنّ ما نحن فيه داخل في كبرى قاعدة وجود ردّ المال المغصوب إلى مالكه من دون اتّصافه بالحرمة.
وفيه : أوّلاً إنّه يمكن أن نلتزم بترتّب العقاب على ردّ المال المغصوب أيضاً وإن كان واجباً عقلاً وشرعاً ، وذلك من باب كونه بسوء الاختيار فيكون نظير وجوب أكل الميتة للمضطرّ بسوء الاختيار حيث لا إشكال في أنّه يعاقب على أكلها مع وجوبه.
وثانياً : لقائل أن يقول : بعدم وجوب الخروج أيضاً ( فيكون الجزء الأوّل من هذا القول ـ وهو وجوب الخروج ـ أيضاً غير تامّ ) لأنّه متوقّف على كونه مقدّمة للكون في خارج الدار المغصوبة الذي يكون ضدّاً للكون في داخلها وعلى أن يكون ترك أحد الضدّين مقدّمة للضدّ الآخر ، ( بيان الملازمة أنّه إذا كان الكون في داخل الدار المغصوبة ضدّاً للكون في خارجها كان تركه مقدّمة له فيصير واجباً من باب المقدّميّة حيث إنّ المفروض أنّ الكون في خارج الدار المغصوبة واجب ) مع أنّه قد قرّر في محلّه في مبحث الضدّ ، أنّ الضدّين مثلاً متلازمان لا تقدّم لأحدهما على الآخر.