ولكن الإيراد الثاني غير وارد لما مرّ في مبحث الضدّ أيضاً أنّه ربّما يعدّ ترك أحد الضدّين مقدّمة للضدّ الآخر عند العرف والعقلاء مع عدم كونه مقدّمة له بالدقّة العقليّة ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فيكون هذا القول بالنسبة إلى جزئه الأوّل ـ أي وجوب الخروج ـ تامّاً.
أمّا القول الخامس : وهو كون الخروج حراماً من دون أن يكون واجباً فاستدلّ لعدم وجوبه : بأنّه لم يدلّ دليل على وجوب الخروج من الأرض المغصوبة أو على وجوب التخلّص عن الغصب أو وجوب ردّ المال إلى صاحبه أو ترك التصرّف في مال الغير بعناوينها بأن يكون كلّ واحد من هذه العناوين موضوعاً لحكم الوجوب ، وما في بعض الرّوايات « المغصوب كلّه مردود » لا يدلّ على وجوب الردّ بعنوانه بل لمّا كان الغصب حراماً يردّ المغصوب تخلّصاً عن الحرام عقلاً ، نعم لو قلنا أنّ النهي عن الشيء مقتضٍ للأمر بضدّه العامّ وأنّ مقدّمة الواجب واجبة يمكن أن نقول بوجوب بعض العناوين المتقدّمة لأنّ التصرّف في مال الغير إذا كان حراماً يكون ترك التصرّف واجباً والخروج من الأرض المغصوبة مقدّمة لتركه لكنّه مبني على مقدّمتين ممنوعتين ، وأمّا كونه محرّماً بالفعل فاستدلّ له بما حاصله : أنّه كفاك له من الأدلّة ما دلّ على حرمة التصرّف في مال الغير بغير إذنه والسرّ في ذلك ما مرّ من أنّ الخطابات الكلّية القانونيّة تفارق الخطابات الشخصيّة ملاكاً وخطاباً ، لأنّ الخطاب القانوني لا ينحلّ بعدد المكلّفين حتّى يستهجن بالنسبة إلى الغافل والعاجز والمضطر والعاصي ونظائرهم بل انبعاث عدّة مختلفة من المكلّفين كافٍ في جعل الحكم الفعلي على عنوانه العام بلا إستثناء وإنّما العقل يحكم بأنّ لذي العذر عذره ( انتهى ) (١).
أقول : يرد عليه :
أوّلاً : ما مرّ في الأبحاث السابقة من انحلال الأحكام القانونيّة الكلّية إلى خطابات جزئيّة بعدد المكلّفين ، وقد ذكرنا له شواهد مختلفة ، منها صدور بعض الأحكام على نهج العام الاستقرائي ، فإنّه يشهد على كون الخطاب حجّة على كلّ فرد فرد منهم ، ولازمه انحلاله إلى خطابات عديدة بعدد المكلّفين ، ولا فرق بين العموم الاستغراقي وغيره من هذه الناحية ، وهل يمكن القول بالانحلال في العموم الاستغراقي دون المطلق المستفاد منه العموم؟
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٣٢١ ـ ٣٢٢ ، طبع مهر.