وقد أورد على صغرى هذا الوجه بأنّ عموم النهي أيضاً لا يكون إلاّبواسطة مقدّمات الحكمة الجارية في المتعلّق كمادّة الغصب ونحوها ، ولكنّه رحمهالله رجع عنه في ذيل كلامه بقوله « اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ لفظ الكلّ أو النهي أو النفي الداخل على الجنس بنفسه كافٍ في الدلالة على استيعاب تمام أفراد المدخول من دون حاجة إلى مقدّمات الحكمة في المتعلّق » (١).
أقول : الحقّ أنّ هذا الوجه لا يوجب ترجيحاً للنهي على الأمر ، لأنّ المقصود من عدم البيان في مقدّمات الحكمة ليس هو عدم البيان إلى الأبد حتّى يكون كلّ بيان وارداً ومقدّماً عليه ، بل المقصود هو عدم البيان في مقام التخاطب وفي زمان البيان ، فإذا لم يرد بيان في مقام البيان والتخاطب تمّت مقدّمات الحكمة وصار المطلق ظاهراً في العموم البدلي ، ولا فرق بينه وبين العام من حيث قوّة الدلالة وضعفها.
الوجه الثاني : ما هو ناظر إلى عالم الثبوت وهو أولويّة دفع المفسدة من جلب المنفعة ، ولا إشكال في أنّ ترك المنهي عنه دفع للمفسدة ، والعمل بالمأمور به جلب للمنفعة.
وقد أورد عليه من جانب المحقّق القمّي رحمهالله صاحب القوانين بالمناقشة في الصغرى أيضاً بأنّ في ترك الواجب أيضاً مفسدة إذا كان تعيينياً.
وأجاب عنه المحقّق الخراساني رحمهالله بأنّ ترك الواجب فوت للمصلحة دائماً ، وهو غير درك المفسدة.
أقول : هذا الوجه أيضاً غير تامّ صغرى وكبرى :
أمّا الصغرى فلأنّ الموارد مختلفة ، فتارةً يكون وجود الواجب مصداقاً لجلب المنفعة واخرى يكون تركه مصداقاً لذلك كالزّكاة فإنّ في تركها مفسدة جوع الفقراء وفقرهم الذي هو منشأ لمفاسد كثيرة فرديّة واجتماعيّة كما يرشدنا إليه ما ورد في لسان الحديث. « إنّ الناس ما جاعوا ولا افتقروا إلاّبذنوب الأغنياء ».
وأمّا الكبرى فلأنّها لا دليل عليها شرعاً ولا عقلاً ولا عقلائيّاً :
أمّا شرعاً فلأنّا نشاهد موارد كثيرة في لسان الشرع قدّم جلب المنفعة فيها على دفع المفسدة ، منها الجهاد الابتدائي فإنّه واجب مع استلزامه مضاراً شديدة كثيرة من الجراحات
__________________
(١) كفاية الاصول.