رفع الاولى وجلب الثانيّة معاً فلا محالة تقع المزاحمة بينهما ... فهذه القاعدة لو تمّت فإنّما تتمّ في باب التزاحم » (١).
واخرى بأنّها على فرض تماميتها لا صلة لها بالأحكام الشرعيّة أصلاً واستدلّ له بوجهين نذكر هنا أوّلهما وهو : أنّ المصلحة ليست من سنخ المنفعة ولا المفسدة من سنخ المضرّة غالباً والظاهر أنّ هذه القاعدة إنّما تكون في دوران الأمر بين المنفعة والمضرّة لا بين المصلحة والمفسدة كما لا يخفى.
وبكلمة اخرى : أنّ الأحكام الشرعيّة ليست تابعة للمنافع والمضارّ وإنّما هي تابعة لجهات المصالح والمفاسد في متعلّقاتها ، ومن المعلوم أنّ المصلحة ليست مساوقة للمنفعة والمفسدة مساوقة للمضرّة ، ومن هنا تكون في كثير من الواجبات مضرّة ماليّة كالزّكاة والخمس والحجّ ونحوها ، وبدنيّة كالجهاد وما شاكله ، كما أنّ في عدّة من المحرّمات منفعة ماليّة أو بدنيّة ، مع أنّ الأولى تابعة لمصالح كامنة فيها والثانيّة تابعة لمفاسد كذلك » (٢).
أقول : يمكن المناقشة في كلا الوجهين :
أمّا الأوّل فبأنّ وحدة المجمع وجوداً وماهية في باب الاجتماع لا يلازم اشتماله على خصوص المصلحة أو خصوص المفسدة بل حيث إنّه ليس من البسيط من جميع الجهات ويتصوّر فيه جهتان مختلفتان يكون شاملاً للمصلحة والمفسدة معاً ومن باب التزاحم دائماً كما مرّ سابقاً ، فهو نظير جميع الأدوية في باب الطب التي يشتمل كلّ واحد منها على مفسدة على رغم أنّه دواء وفيه شفاء ، ونظير الخمر والميسر اللّذين فيهما إثم كبير ومنافع للناس كما نطق به الكتاب العزيز ، ونظير جميع الواجبات والمحرّمات التي أشار إليها في خبر تحف العقول المعروف بما حاصله : أنّ كلّ ما غلبت مصلحته على مفسدته فهو واجب وكلّ ما غلبت مفسدته على مصلحته فهو حرام.
وإن شئت قلت : أنّ الواحد في المقام ليس واحداً حقيقيّاً ولا واحداً صناعياً بل إنّه واحد اعتباري الذي يتصوّر فيه الجهات المختلفة وأبعاد متفاوتة التي تشتمل على مصالح ومفاسد ، والمراد من التزاحم فيه هو التزاحم بين جهتي المصلحة والمفسدة. والعجب منه حيث ادّعى فيه البداهة.
__________________
(١) المحاضرات : ج ٤ ، ص ٤٠٨ ـ ٤٠٩.
(٢) المصدر السابق : ص ٤٠٩ ـ ٤١٠.