أمّا الثاني : الذي اشير إليه أيضاً في بعض كلمات المحقّق الخراساني رحمهالله فلأنّه إن كان نظره إلى جانب المعنوي لمورد الاجتماع فقط أو إلى بعده الاجتماعي فقط أو إلى المضارّ والمنافع التي تترتّب عليه في طول الزمان ، أي التي تترتّب عليه مع الواسطة أو الوسائط ، ولم يكن النظر إلى الجهات المادّية والفرديّة وإلى المنافع والمضارّ التي تترتّب بدون الواسطة وفي زمان الحال ، فما أفاده في محلّه ، فتكون المصالح والمفاسد غير المضارّ والمنافع كما لا يخفى ، وأمّا إن كان المقصود هو الأعمّ من المنافع أو المضارّ المعنويّة والمادّية والأعمّ ممّا يترتّب في الحال أو في طول الزمان ومن الاجتماعيّة والفرديّة وممّا يترتّب مع الواسطة ومن دون الواسطة ، فلا فرق حينئذٍ بين المصالح والمنافع وبين المفاسد والمضارّ بل يمكن أن يتصوّر لواجب من الواجبات مصلحة أو منفعة معنويّة مع شموله لمفسدة أو مضرّة مادّية ، نظير الزّكاة مثلاً فإنّها توجب ضرراً مادّياً مع أنّها موجبة لبركات أخلاقيّة ومعنويّة بل بركات مادّية أيضاً في طول الزمان كما أشار إليه في الحديث بقوله : « حصّنوا أموالكم بالزّكاة » حيث إنّ تحصين الأموال مصلحة دنيويّة مادّية ، وفي حديث آخر : « إذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه » فإنّ حفظ الآخرة للفقير بالبذل والانفاق منفعة أو مصلحة اخرويّة بل ودنيويّة كما لا يخفى ، هذا كلّه من جانب ، ومن جانب آخر تكون الزّكاة شاملة على الظاهر على مفاسد أو مضارّ فرديّة مع أنّها توجب في البعد الاجتماعي حفظ كيان النظام والدفاع عن ثغور المملكة ، وهاتان مصلحتان أو منفعتان اجتماعيتان.
وما ذكرنا يشهد عليه عمل العقلاء في يومنا هذا ، فإنّهم يعطون الضرائب التي وضعت عليهم من جانب دولهم وحكّامهم طوعاً ورغبة لما تشتمله من المنافع الاجتماعيّة.
هذا كلّه في الواجبات ، وكذلك في المحرّمات ، فيمكن أن يتصوّر لمعصية من المعاصي منافع مادّية كالتطفيف في باب المعاملات مع أنّها شاملة لمضرّات معنويّة بل مادّية من جانب آخر ، والرّوايات ناطقة بذلك ، فقد ورد في الحديث « الأمانة تجلب الغناء والخيانة تورث الفقر » كما يشهد على ذلك العرف والوجدان ، فإنّا نشاهد بوجداننا أن التطفيف أو الخيانة مثلاً توجب ظهور الغشّ في المجتمع وزوال الأمن الاقتصادي وتفريغ البنوك الداخليّة من الثروات وإخراجها منها إلى البنوك الخارجيّة الأجنبيّة وذلك لوجود الغشّ والخيانة في الاولى مثلاً ووجود الدقّة والأمانة في الثانيّة ، ألا ترى خروج الثروات العظيمة الضخمة في يومنا هذا من