الموضوع وهو العرض ، نحو البياض والسواد.
الثالث : وجود في غيره لغيره فلا استقلال له لا في المفهوم ولا في الخارج.
ولكلّ من هذه الأقسام في عالم اللفظ كلمات تدلّ عليها وما يدلّ على القسم الثالث منها هو الحروف : فهي تدلّ على مفاهيم غير مستقلّة في الذهن والخارج وتكون حاكيات عنها كما يظهر بمراجعة الوجدان ولا تدلّ على الإيجاد أو التضييق إلاّبسبب دلالتها على ما ذكرنا كما مرّ.
ولقد أجاد بعض الأعاظم حيث قال : إنّ معاني الحروف غير مستقلّة في أربع جهات : في الوجود الخارجي ، والوجود الذهني وفي الدلالة ، بمعنى إنّ دلالتها على المعاني ليست بمستقلّة فلا يكون لكلمة « في » مجرّداً عن الاسم أو الفعل مدلولاً ، وفي كيفية الدلالة ، فلا استقلال لها في الإفراد والتثنية والجمع مثلاً بل تكون تابعة لموردها ، فإن كان المورد مفرداً تكون دلالتها على النسبة أيضاً مفردة وهكذا.
هذا ولكن مع ذلك كلّه فهنا سؤالان نذكرهما ونجيب عنهما :
١ ـ ما هو الدليل على أنّ الحروف وضعت للقسم الثالث من هذه المفاهيم؟ فإنّ ما ذكر هو مجرّد دعوى.
الجواب : هو بأنّه مقتضى حكمة الوضع ، لأنّا نشاهد في الجمل الخبريّة وغيرها اموراً لا يحكي الاسم عنها ولا الفعل ، فالحكمة تقتضي أن توضع بإزائها أيضاً كلمة كما وضعت للمعاني الاسميّة والفعليّة ، وليست هي إلاّ الحروف ، ويدلّ عليه التبادر أيضاً.
٢ ـ ما هو الوجه فيما إذا استعملنا الحروف في الواجب تعالى أو الممتنع ، وقلنا مثلاً : « هو الذي في السماء إله » أو « اجتماع النقيضين في محلّ واحد محال » ، فكيف تدلّ كلمة « في » في الجملة الاولى على وجود نسبة حقيقية بين الواجب والسماء ، وفي الثانيّة على وجود نسبة بين « اجتماع النقيضين » الذي لا وجود له ، و « محلّ واحد »؟ أليس هذا من المجاز؟
الجواب : هو أنّ حكمة الوضع في الألفاظ هي رفع الحاجات اليوميّة ، وبالطبع يكون المقياس هو المعاني الممكنة الاعتياديّة ، بل ربّما لم يكن الواضع معتقداً بالواجب ، أو لا يتحقّق له تصوّر للممتنع ، وحينئذٍ يكون الموضوع له للألفاظ هو خصوص الممكنات أوّلاً وبالذات ، فإذا استعمل في الواجب أو الممتنع يوسّع المعنى أو يضيق ، وسيأتي بيانه وتوضيحه إن شاء الله تعالى في مبحث المشتقّ.