كانت الأسباب عقليّة كشف عنها الشارع فتصحّ المعاملة في مثل بيع المصحف أو المسلم من الكافر ثمّ يجبر الكافر بإخراج المسلم أو المصحف عن ملكه ، وبين ما إذا كانت الأسباب شرعيّة فتبطل المعاملة لأنّ جعل السبب بعيد مع مبغوضيّة متعلّقه ومسبّبه.
وقال في تهذيب الاصول توضيحاً لكلامه : « الظاهر أنّ مراده من كون الأسباب عقليّة هو كونها عقلائيّة إذ لا يتصوّر للسبب العقلي الاعتباري هنا معنى سوى ما ذكرنا » (١).
أقول : التعبير بالكشف لا الإمضاء في كلام الشّيخ الأعظم رحمهالله شاهد قطعي على أنّ مراده من كون الأسباب عقليّة ليس كونها عقلائيّة اعتباريّة كما لا يخفى ، فمرجع كلامه حينئذٍ إلى أنّ في باب المعاملات يوجد نحو تأثّر وتأثير واقعيين بين الأسباب والمسبّبات كعقد النكاح والزوجيّة ، نظير ما قد يدّعي في باب تداخل الأسباب والمسبّبات من أنّ الأسباب الشرعيّة أسباب واقعية عقليّة كشف عنها الشارع.
وكيف كان فالإنصاف في هذا القسم ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله من دلالة النهي على الفساد ببيان « أنّ صحّة المعاملة تتوقّف على ثلاثة امور :
الأوّل : كون كلّ من المتعاملين مالكاً للعين أو بحكمه ليكون أمر النقل بيده ولا يكون أجنبياً عنه.
الثاني : أن لا يكون محجوراً عن التصرّف فيها من جهة تعلّق حقّ الغير بها أو لغير ذلك من أسباب الحجر ليكون له السلطنة الفعليّة على التصرّف فيها.
الثالث : أن يكون إيجاد المعاملة بسبب خاصّ وآلة خاصّة ، وعلى ذلك فإذا فرض تعلّق النهي بالمسبّب وبنفس الملكيّة المنشأة مثلاً كما في النهي عن بيع المصحف والعبد المسلم من الكافر كان النهي معجزاً مولويّاً للمكلّف عن الفعل ورافعاً لسلطنته عليه فيختلّ بذلك الشرط الثاني » (٢).
أقول : أضف إلى ذلك أنّ فساد المعاملة في هذا القسم هو مقتضى الحكمة العقلائيّة في القوانين المجعولة عندهم حيث إنّ المقنّن الحكيم لا يمضي عقداً يكون مسبّبه مبغوضاً عنده والعقلاء يذمّون من أمضى عقداً ثمّ أجبر المشتري بالبيع ثانياً ، وهذا بخلاف القسم الأوّل ، أي
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٣٣٢ ، من طبع مهر.
(٢) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٤٠٤.