واستدلّ بهما أيضاً للصحّة ببيان أنّ عصيان السيّد ملازم لعصيان الله تعالى ، لأنّ طاعة السيّد واجب شرعاً ، فإذا لم يوجب عصيان السيّد الفساد لم يوجبه عصيان الله أيضاً.
أقول : الظاهر أنّ منشأ الخلاف في مدلول الرّوايتين إنّما هو أنّ العصيانين الواردين في الرّوايتين هل هما تكليفيان ، أو أنّهما وضعيان ، أو أحدهما وضعي والآخر تكليفي؟ فكأنّ القائل بدلالتهما على الفساد يرى أنّ كليهما تكليفيان ، والقائل بالصحّة يرى عصيان السيّد تكليفيّاً فحسب وعصيان الله المنفي في الرّواية وضعيّاً ، ولازمه أن يكون مدلول الرّواية أنّ الذي يوجب بطلان النكاح وفساده إنّما هو العصيان الوضعي لا التكليفي ، ومحلّ النزاع في المقام إنّما هو النواهي التكليفية وإنّها هل تدلّ على الفساد أو لا ، لا الوضعيّة.
ومن هنا يرد عليه ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله من أنّ مقتضى وحدة السياق وحدة العصيانين في المعنى (١) ، فلا يتمّ القول بدلالتهما على الصحّة ، وأمّا القول الأوّل ، وهو دلالتهما على الفساد.
فيرد عليه : أنّ الإنصاف أنّ المراد من كلا العصيانين في الرّوايتين العصيان الوضعي ، أمّا بالنسبة إلى عصيان الله فلأنّ جميع المحرّمات في باب النكاح محرّمات وضعية كما يظهر بالتتبّع فيها ، وأمّا ما ورد فيها من الوعيد بالعذاب والعقاب فهو أيضاً ناشٍ من الحرمة الوضعية وما يترتّب على بطلان النكاح ، ويؤيّد ذلك ما ورد في ذيل الرّواية الثانيّة من قوله عليهالسلام : « إنّ ذلك ليس كإتيان ما حرّم الله عليه من النكاح في عدّة وأشباهه » حيث إنّ حرمة النكاح في العدّة وضعية بلا إشكال.
وأمّا بالنسبة إلى عصيان السيّد فلأنّه لا إشكال في أنّه ليس لازم اعتبار الاذن من السيّد حرمة مجرّد إجراء صيغة النكاح تكليفاً على العبد وإلاّ يستلزم حرمة التكلّم وأشباهه أيضاً ممّا لا يعتبر فيه الاذن من السيّد قطعاً بل غاية ما يقتضيه كون عقد النكاح فضولياً وغير تامّ بحسب الوضع ، فيصير صحيحاً بلحوق الاجازة ، ولازم هذا الحرمة الوضعية فقط.
بقي هنا أمران :
الأمر الأوّل : ما حكي عن أبي حنيفة والشيباني من دلالة النهي على الصحّة ، وظاهره
__________________
(١) راجع أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٤٠٧.