تعلّقت الإرادة الاستعماليّة بأنّ الرماد كثير في دار زيد ، ولكن الإرادة الجدّيّة تعلّقت بسخاوة زيد ، وإذا كان الأمر فيها كذلك وكان المجاز والكناية في غاية القرابة بل يمكن ادخالهما تحت عنوان واحد ( وهو استعمال اللفظ وإرادة غير الموضوع له في الإرادة الجدّية ) فلا منع ولا بأس في أن يكون الأمر في المجازات أيضاً كذلك.
وثالثاً : إنّ الوجدان حاكم بأنّ ما استدلّ به السكّاكي في خصوص مجاز الاستعارة جارٍ في المجاز المرسل أيضاً ( وهو ما تكون العلاقة فيه غير علاقة التشبيه من سائر العلاقات ) فإنّ اللفظ فيه أيضاً لم يستعمل إلاّفيما وضع له ، فيدعى في مثل قوله « جرى الميزاب » أنّ الميزاب هو نفس المطر ، وفي إطلاق الميّت على من يكون مشرفاً على الموت يدعى كونه ميّتاً بالفعل ، وفي إطلاق القرية على أهلها في قوله تعالى : ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) ادّعى أنّ القرية من مصاديق أهل القرية وإنّها أيضاً قابلة للسؤال عنها ، مع أنّ العلاقة في هذه الموارد ليست من علاقة التشبيه ، ومع إنّا نشاهد فيها نفس المبالغة التي نشاهدها فيما تمسّك به من بعض الأبيات كما لا يخفى.
وبالجملة ، لطف المجاز وحسنه وبلاغته لا تتمّ إلاّعلى هذا القول كما هو ظاهر للخبير بفنون الكلام وبدائعه (١). هذا تمام الكلام في الأمر الثالث.
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني رحمهالله عنون في ذيل هذا الأمر بحثاً تحت عنوان استعمال اللفظ وإرادة النوع أو المثل أو الصنف ، منه وهذا البحث قليل الفائدة جدّاً علماً وعملاً فالأولى تركه وصرف النظر عنه.
__________________
(١) نعم يظهر من بعض كلمات المحقّق الشّيخ محمّد رضا رحمهالله إنّه يرى فرقاً بين مقالته ومقالة السكّاكي حيث قال : « وعمدة الفرق بين المقالتين هي أنّ السكّاكي يبني مذهبه على أنّ التعرّف في أمر عقلي وأنّ المستعير يدّعي أنّ للمشبه به فرداً آخر وهو المستعار له ويجعل مقالته غرضاً لسهام الانتقاد والاعتراض عليه بأنّ اللفظ موضوع للفرد الواقعي لا الادّعائي ، فيعود الاستعمال إلى المجاز اللغوي ، وما ذكرناه لا يبنى على الادّعاء بهذا المعنى أصلاً » ( وقاية الأذهان ص ٤٦ من رسالته الملحقة ) ولكن الظاهر أنّ مراد السكّاكي أيضاً هو ما ذكره المحقّق المذكور ، والفرق بينهما في العموم والخصوص فقط.