أقول : إنّ كلامه جيّد مقبول عندنا ، ولكن هيهنا امور تجب الإشارة إليها لتتميم هذا البحث :
الأمر الأوّل : ما هو السرّ في كون صحّة الحمل علامة للمعنى الحقيقي؟ وجوابه ما مرّ نظيره في التبادر ( من أنّ صحّة الحمل تنشأ إمّا من القرينة أو من ناحية الوضع وحيث إنّ المفروض عدم وجود القرينة يعلم أنّها ناشئة من الوضع ) فصحّة سلب معنى عن لفظ علامة عدم وضعه له وإلاّ لم يكن السلب صحيحاً.
الأمر الثاني : أنّ إشكال الدور الذي مرّ في مبحث التبادر يأتي هنا أيضاً ، وبيانه : إنّ صحّة الحمل يتوقّف على العلم بالموضوع له في موضوع القضيّة ومحمولها ( لأنّ صحّة الحمل فرع تصوّر الموضوع والمحمول وهو فرع العلم بهما ) بينما العلم بالوضع أيضاً يتوقّف على صحّة الحمل وهذا دور واضح.
ولكن يأتي هنا أيضاً الجوابان المذكوران في التبادر :
أحدهما : إن علمنا بالوضع يكون بالإجمال والارتكاز ، وأمّا العلم المتوقّف على صحّة الحمل علم تفصيلي ، فالمتوقّف غير المتوقّف عليه بالإجمال والتفصيل.
ثانيهما : سلّمنا ، ولكنّه يختصّ بما إذا كان المستعلم من أهل اللسان ، أمّا إذا كان أجنبياً عنه فإنّه يحصل له العلم بالوضع بصحّة الحمل في استعمالات أهل اللسان فلا دور.
الأمر الثالث : أنّ لبعض الأعلام هنا اشكالاً وحاصله : إنّ صحّة الحمل وصحّة السلب يكونان مسبوقين بالتبادر ، فالعلامة في الحقيقة هو التبادر ، وتوضيحه : إذا قلنا « الغيث هو المطر » فحيث إنّ الحمل هذا يحتاج إلى تصوّر « الغيث » و « المطر » وتصوّرهما يحتاج إلى العلم بمعناهما واتّحادهما في الخارج ، والعلم هذا لا طريق لنا إليه إلاّ التبادر ، فنحن عالمون بالوضع بالتبادر قبل تحقّق الحمل ، فالعلامة منحصرة في التبادر هذا كلّه إذا كان المستعلم من أهل اللسان ، أي كان المراد من صحّة الحمل والسلب صحّتهما عند نفسه ، وأمّا إذا كان المستعلم من غيره وكان جاهلاً باللسان وأراد أن يصل إلى الوضع من طريق استعمال أهل اللسان ، فإنّ هذا الحمل بالنسبة إليه يرجع إلى تنصيص أهل اللّغة ، والتنصيص غير صحّة الحمل ، فتلخّص أنّ صحّة الحمل إمّا أن يرجع إلى التبادر أو إلى تنصيص أهل اللّغة ، وليست هي نفسها من علائم الحقيقة والمجاز (١).
__________________
(١) راجع تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٤١ ، طبع مهر.