وبذلك يظهر بطلان قول المعتزلة ، بأنّ اللّه لا يقدر على القبيح والشرّ ، بدعوى إستلزامه الظلم.
وجه البطلان أنّ القدرة على القبيح ليست بظلم ، وإنّما يكون فعل القبيح ظلما ؛ واللّه سبحانه وتعالى قادر على ذلك لكنّه منزّه عنه. دليله قوله تعالى : (إِنَّ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١).
مع التعبير بكلمة (أنّ) التحقيقية ، والقدرة التي هي مطلقة ، فتكون لا متناهية ، مع أداة (كل) التعميمية ، بالإضافة إلى كلمة (شيء) المفيد لأتمّ العموم ، حيث يستفاد من ذلك قدرته على جميع الأشياء بلا إستثناء ، لكنّه تعالى لا يظلم أبدا لقوله تعالى : (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) (٢).
والمعتزلة بقولهم هذا ، فرّوا من الظلم ووقعوا في العجز.
ويظهر أيضا ممّا قدّمنا بطلان قول الأشاعرة في نسبة الشرّ إلى اللّه تعالى ووقوعه منه ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.
وجه البطلان أنّ إيقاع الشرّ ظلم وهو منافٍ للحكمة والكمالية.
وأفعال اللّه جلّ جلاله خيرٌ لخلقه ، وقد خلقهم لرحمته ، ولا يريد الشرّ لعباده ، ومن فعله من عباده فقد فعله باختياره وسوء عمله.
دليله قوله تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاْءِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) (٣) مع الأحاديث الواردة في تفسير العبادة بالمعرفة والرحمة (٤).
__________________
(١) سورة البقرة : (الآية ٢٠).
(٢) سورة فصلت : (الآية ٤٦).
(٣) سورة الذاريات : (الآية ٥٦).
(٤) البرهان : (ج٢ ص١٠٥١).