وهذا يقضي بتحقّق قبح القبيح في حكومة العقل.
٥ ـ إنّه لو كان الحسن والقبح سمعيّين لا عقليّين ، لما قَبُح من اللّه إظهار المعجزات على يد الكذّابين مع أنّه قبيح ولا يفعله الحكيم قطعا ، وتجويز ذلك يسدّ باب معرفة النبوّة التي أذعن بها حتّى الأشاعرة.
٦ ـ إنّه لو كانا شرعيّين فقط لحَسُن من اللّه أن يأمر بالكفر وتكذيب الأنبياء ، وعبادة الأصنام والمواظبة على الزنا والسرقة لفرض عدم قبحها حينئذٍ .. وهذا نقض الغرض الذي يُبطله الوجدان.
٧ ـ إنّه لو كانا شرعيّين لم تجب ولم تحسن معرفة اللّه تعالى ، لتوقّف معرفة هذا الإيجاب والحسن على معرفة الموجِب ، المتوقّفة هي على معرفة الإيجاب فيدور ، ويلزم من عدم عقليّتهما الدور الباطل.
٨ ـ إنّ الضرورة ـ بل الفطرة في الإنسان بل في الحيوان ـ قاضية قطعا وحاكمة حقّا بالفرق دائما بين من أحسن إليها وبين من أساء إليها ، وحسن الأوّل وقبح الثاني بلا شكّ ولا ريب ، وإنّ اللّه تعالى لا يأمر إلاّ بما هو حسن ولا ينهى إلاّ عمّا هو قبيح. إنّه عزّ إسمه لا يفعل ظلما أبدا لغناه ، ولا يصنع قبيحا أصلاً لجلالته ..
وهذه الوجوه تثبت وجود الحسن الذاتي عقلاً وحسن العدالة ذاتا.
وأضاف السيّد الورع الخوانساري قدسسره الإستدلال بأنّ الواجب تعالى لا يصدر منه الفعل القبيح ، لأنّ ترجيح القبيح إمّا أن يكون من جهة عدم العلم بالمفسدة ، أو من جهة الحاجة .. والواجب تعالى منزّه عن الأمرين ، فالحكيم العالم بالمصالح والمفاسد غير المحتاج كيف يرجّح المرجوح على الراجح ..
وهذا أصلٌ يبتنى عليه أيضا حسن بعث الأنبياء وبقاء أوصيائهم في كلّ عصر (١).
__________________
(١) العقائد الحقّة : (ص١٠).